هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: في الطرق التي يعرف بها تخصيص العام]

صفحة 749 - الجزء 2

  فالمسائل أربع: الأولى تخصيص السنة المتواترة⁣(⁣١) بمثلها، وقد روي عن داود القول بمعارضتهما.

  الثانية: تخصيص المتواتر بالآحاد، والخلاف فيها كالخلاف في تخصيص الكتاب بالآحاد كما صرح به القاضي أبو بكر في التقريب والجويني في البرهان والبيضاوي في المنهاج وغيرهم.

  الثالثة: تخصيص الآحاد بالمتواتر، وهو قليل الوجود.

  الرابعة: تخصيص الآحاد بالآحاد، وهو كثير جداً.

  وإنما حكم الجمهور بجوازه في المسائل الأربع جميعاً أما في الثانية فلما تقدم في تخصيص الكتاب بالآحاد، وأما في البواقي فلوجهين: (للوقوع⁣(⁣٢) ولئلا يبطل القاطع بالمحتمل⁣(⁣٣)) أما الوجه الأول فتقريره أن يقال: لو لم يجز تخصيص السنة بالسنة لم يقع، لكنه واقع.


(قوله): «أما في الثانية فلما تقدم في تخصيص الكتاب بالآحاد» الذي تقدم هو الاستدلال بإجماع السلف على تخصيص الكتاب بالآحاد، فليس الاستدلال هاهنا بعين ما تقدم كما لا يخفى، فالمراد أنه يجيء هاهنا مثل ما تقدم، لكن ينظر هاهنا في المسائل التي وقع إجماع السلف على التخصيص بها، فإن الكلام هاهنا في تخصيص عموم المتواتر من السنة، ولم يذكر المؤلف # من عموم المتواتر منها شيئاً.

(قوله): «وأما في البواقي فلوجهين» الأول منهما الوقوع، والثاني قوله: ولئلا يبطل القاطع بالمحتمل. لكن أما الوجه الأول فإنما ينتهض في الرابعة، وهي تخصيص الآحاد بالآحاد؛ إذ لم يذكر المؤلف # الوقوع إلا فيها، وأما إبطال القاطع بالمحتمل فلعله ينتهض في الجميع؛ لأن التخصيص وإن كان بالآحاد فالمراد قطعي الدلالة، فيشمل الثانية، وهي تخصيص المتواتر بالآحاد؛ لأن المتواتر ليس بقطعي الدلالة لعمومه. ومقتضى عبارة المتن أن الاستدلال بالوقوع استدلال على تخصيص السنة بالسنة مطلقا، وقد عرفت أنه لا ينتهض في الجميع.


(١) وتصوير ذلك في زمننا عسير كما قال القرافي لفقد التواتر، قال: وإنما يتصور في عصر الصحابة والتابعين، فإن الأحاديث كانت في زمنهم متواترة لقرب العهد وشدة العناية بالرواية. (من شرح الجمع لأبي زرعة).

(٢) الظاهر من هذا الدليل التوزيع على الثلاث المسائل الباقية، فقوله: للوقوع لتخصيص الآحاد بالآحاد⁣[⁣١]، وقوله: «ولئلا» لتخصيص المتواتر والآحاد بالمتواتر، والله أعلم. ويمكن أن يقال: المراد بالقطعي قطعي الدلالة، فيكون قوله: ولئلا لجميع الثلاث المسائل الباقية جميعاً، لكن يقال على هذا: هو أيضاً يصلح دليلاً على الثانية أيضاً، فلم خصه بغيرها؟ مع أن هذا الدليل الذي ذكره # مفتقراً إلى بيان المسائل التي وقع إجماع السلف على تخصيص العام المتواتر بها وعلى معرفة ذلك العام المتواتر أيضاً، ولم يتعرض # لذلك، والله أعلم.

(٣) القاطع الخاص والمحتمل العام.


[١] والمختار أنه يجوز في العملي لا العلمي كما مر، والله أعلم.