[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  الأضعف على الأقوى إنما لا يجوز عند إبطال الأقوى، وهاهنا ليس كذلك، وإنما هو إعمال لهما ولا إبطال لشيء منهما.
  ولا يقال: قد بطل العام في محل التخصيص بالكلية، فيكون قد بطل الأقوى بالأضعف؛ لأنه يقال: المراد من إبطال الأقوى بالكلية أن لا يبقى معمولاً به أصلاً لا أن يبقى معمولاً به في بعض الصور، وهذا (كالآحاد) فإنه قد ثبت جواز تخصيص الكتاب به، وكذلك المفهوم قد ثبت أنه يخصص منطوق الكتاب والسنة، فلو امتنع التخصيص بالقياس لكونه أضعف لامتنع تخصيص الكتاب بالسنة ومنطوق الكتاب والسنة بمفهومهما؛ لكونهما(١) أضعف، والسر في ذلك أن التخصيص للبيان لا للإبطال فجاز بالأضعف.
  (ومن هذا) الرد (وما سبق تؤخذ حجج هذه الأقوال وشبهها وما عليها) من الأجوبة؛ أما القائلون بالجواز مطلقاً فحجتهم ما ذكر من أنه لو لم يجز التخصيص بالقياس للزم الإبطال لدليل علم اعتباره.
  وأما المانعون مطلقاً فيؤخذ لهم مما تقدم في تخصيص الكتاب بخبر الواحد من أنه يستلزم ترك العلم بالظن وجواز المعارضة والنسخ، والجواب الجواب(٢).
  وأما الوافقون والقائلون بأنها اجتهادية فمما تقدم من أن العام ظني الدلالة، وإذا كان العام ظنياً والقياس ظنياً تعارضا فيجب الوقف أو الاجتهاد.
  والجواب: أن الجمع بين الدليلين إذا أمكن واجب كما تقدم.
  وأما القائل بجواز التخصيص بالجلي خاصة فيحتج بمثل ما ذكره ابن الحاجب، فيقال: إن الجلي لقوته كالنص.
(قوله): «ومن هذا الرد وما سبق» يعني في التخصيص بخبر الواحد وغيره.
(١) أي: السنة ومفهومهما.
(٢) وهو أن العام ظني، ولا تعارض لعدم التساوي، وكذا لا يلزم النسخ به؛ لأن القياس أضعف أو لأن النسخ لا يجوز إلا بخطاب الشرع.