[فصل: في الطرق التي يعرف بها تخصيص العام]
  واعلم أن العادة إما أن تكون جارية بإطلاق لفظ على بعض أفراد العام الدال عليها لغة، نحو: أن يكون عرفهم إطلاق الطعام على البر مثلاً ثم يأتي النهي عن بيع الطعام بالطعام. وإما أن تكون باستمرار فعل شيء، نحو أن يستمر منهم تناول البر دون سائر المطعومات ثم يأتي النهي المذكور.
  والقسم الأول لا نزاع في أنه يعمل فيه بالعادة(١)؛ لأنه في الحقيقة من تقديم الحقيقة العرفية على اللغوية، والثاني محل النزاع، فيكون العام(٢) منصرفاً عند الحنفية إلى المعتاد فقط. وأما عند الجمهور فهو على عمومه فيه وفي غيره، غايته أن تتفاوت دلالة العام في المعتاد وغيره كما تتفاوت دلالة ما ورد على سبب خاص(٣) في السبب وغيره. فتحصل من هذا أن النزاع إنما هو في العادة الفعلية دون العادة القولية(٤)،
(قوله): «فهو على عمومه فيه» أي: في المعتاد وفي غيره.
(١) كما نص عليه أبو الحسين في المعتمد والغزالي والآمدي وغيرهم، والفرق بينهما أن القولية أطلق الاسم معها في العرف على بعض أفراد العام، كالبر مثلاً لما يقتات حتى غلب عليه في العرف، بخلاف الفعلية فتناولها لبعض أفرادها يكون من استمرار الفعل، كأن يكون من عادتهم أن يأكلوا طعاماً مخصوصاً وهو البر من دون أن يقع إطلاق على الاسم أولاً فغلب عليه باعتبار ذلك التناول، وفرق بين غلبة الاسم وغلبة التناول، هكذا يفرقون بينهما. (من الفواصل).
(٢) وفي نسخة: الطعام.
(٣) كبئر بضاعة وشاة ميمونة.
(٤) فالعادة القولية لا نزاع في أنها تخصص العام؛ فإن الحقيقة العرفية مقدمة على اللغوية، وأما العادة الفعلية فالجمهور على أنه لا يخص بها العام، قالوا: لأن لفظ العام لم يطرأ عليه ما ينقله عن معناه الأصلي، والعادة إنما نشأت من استمرار أكل البر، والدلالة اللغوية باقية على حالها. وخالفت الحنفية وقالوا: كما أنه وقع الاتفاق على التخصيص بالعادة القولية فليخص بالعادة الفعلية، والفرق الذي ذكرتموه لا نسلم تأثيره في بقاء الحقيقة اللغوية في إحداهما دون الأخرى؛ فإن من المعلوم أن العادة قد صرفته عن مقتضاه، فهي أوجبت ظهور اللفظ في بعض أفراد العام دون الكل، وهذا حاصل في القولية والفعلية. وأجيب: أنا لا نمنع ظهور مدلول العام فيما تقتضيه العادة، ولكن لما كان من حيث التناول لم يقو على نقل الحقيقة، كما وافقتمونا في أن العام لا يقصر على سببه مع ظهوره في السبب فكذا هنا، فلو كان مجرد ظهور دلالة العام في بعض أفراده توجب التخصيص لوجب قصر العام على سببه، وأنتم لا تثبتونه، بخلاف العادة القولية فأصلها الإطلاق لنفس اللفظ، فهو كالوضع فيما غلب عليه، فظهر الفرق بين الطرفين. (من الفواصل).