[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  الفارق بينهما، فإن التخصيص بالعرف إنما كان لغلبة الاسم في الخاص عرفاً، بخلاف ما نحن فيه فإن العادة غالبة في تناوله لا في غلبة الاسم عليه؛ إذ المفروض ذلك، ولو فرضنا غلبة لفظ الطعام على البر في عرف المتخاطبين كما غلب استعمال الدابة في ذوات الأربع في العرف العام لاختص الحكم بالبر في قوله: «حرمت الربا في الطعام»؛ لوجوب تنزيل مخاطبة الشارع للعرب على ما هو المفهوم من لغتهم، بل لو غلب استعمال لفظ الطعام في غير المعتاد لخرج المعتاد المتناول عن حكم التحريم واختص التحريم بغير المعتاد تناوله، فثبت أن المخصص إنما هو غلبة الاسم لا غلبة العادة، فافترقا.
  (قيل) في الاحتجاج لهم ثانياً: (لا يفهم من نحو: «اشتر لي لحماً» غير المعتاد) في البلد، فلو لم تكن العادة مخصصة لم يفهم المعتاد بخصوصه، لكنه فهم، فعلم أن غلبة العادة تستلزم غلبة العبارة.
= قلنا: لما لم يمكن أن يكون المطلوب بالمطلق نفس الماهية لعدم وجودها في الخارج علم عقلاً أن المطلوب به جزئي مطابق لها أي جزئي كان، وأياً فعل المأمور كان المفعول مقيداً مخصوصاً، فإذا علم عقلاً أن المطلوب بالمطلق المقيد المخصوص ولا دلالة في الصيغة عليه كانت العادة معينة لما دل عليه العقل إجمالاً، وأما الصيغة فباقية على إطلاقها غير مقيدة ولا مصروفة عن ظاهرها، بخلاف العام فإن إرادة جميع أفراده ممكنة، فلا دلالة للعقل على إرادة الخصوص إجمالاً ولا تفصيلاً، فلا يصلح أن تكون العادة معينة لإرادة الخصوص ولا تصرفه عن ظاهره؛ لأنها إنما تكون مظاهرة لدلالة العقل، ولا دلالة فيه فافترقا. قالوا ثالثاً: لو قال: «لا تشتر لحماً» كان عاماً؛ لأنه نفي داخل على نكرة، وهو كذلك مختص بالعادة، فلو اشترى لحماً غي رالمعتاد كلحم غير الضأن مثلاً لم يعد عاصياً، وهذا تخصيص للعموم بالعادة. قلنا: لا نسلم كون: «لا تشتر لحماً» عاماً؛ لأن النفي لم يدخل على مطلق مراد به جزئي مطابق أي جزئي كان حتى يكون عاماً، وإنما دخل على ما دلت العادة عليه بمعونة العقل أنه المراد به فانصرف النفي إليه؛ لأن النفي إذا دخل على قيد زائد توجه إليه، فلا عموم حتى يقال: إن العادة صرفته عن ظاهره، ولا تخصيص؛ إذ هو فرع للعموم، هذا معنى كلام المؤلف |. ولا يخفى أنه لا معنى لتعيين المراد باللفظ إلا تقييده به، وتوجه النفي إلى القيد هو التخصيص بعينه، وهو فرع التعميم، ألا ترى أنك لو قلت: لا تكرم رجلاً جاهلاً تقول: هذا نفي دخل على مقيد فتوجه النفي إلى القيد، يعني أن النفي مختص بالجاهل، وهذا هو التخصيص بالصفة، كذلك: لا تشتر لحماً دخل النفي على مقيد بالعادة فتوجه النفي إليه تخصيص مثله، والتخصيص هو فهم المراد من اللفظ، وهو متأخر عن فهم العموم منه كسائر المخصصات المنفصلة، فمرجع هذا الكلام إلى تسليم التقييد والتخصيص بالعادة. وقد ذكر المؤلف | أنه تطويل بغير طائل وأنه منصوب في غير محل النزاع، ولكنه تابع في ذلك مختصر المنتهى وشروحه. والجواب الحق ما ذكره المؤلف | من أن العادة هنا قد استتبعت غلبة الاسم فصار حقيقة عرفية؛ ولهذا قال: إنه غير محل النزاع، ولا يلزم من استتباعها غلبة الاسم في هذا الموضع أن يستتبعه في كل موضع. (من شرح ابن جحاف |).