هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثالث: العموم والخصوص]

صفحة 14 - الجزء 3

  الإطلاق، وهذا مذهب عامة أصحابنا والجمهور من المتكلمين، وهو الأظهر من مذهب الشافعي وأصحابه.

  وقيل: إنه يجب حمل المطلق على المقيد مطلقاً⁣(⁣١)، وهو مروي عن الشافعي وبعض أصحابه، قالوا: لأن كلام الله تعالى في حكم الخطاب الواحد فيترتب فيه المطلق على المقيد، قال إمام الحرمين الجويني: وهذا من فنون الهذيان، فإن قضايا الألفاظ في كتاب الله تعالى مختلفة متباينة، لبعضها حكم التعلق والاختصاص ولبعضها حكم الانقطاع، فمن ادعى تنزيل جهات الخطاب على حكم كلام واحد مع العلم بأن في كلام الله تعالى النفي والإثبات والأمر والزجر والأحكام المتغايرة فقد ادعى أمراً عظيماً، وأطال في ذلك.

  وقال أبو حنيفة ومتابعوه: لا يحمل المطلق على المقيد سواء وجد الجامع أو لم يوجد؛ لأن إعمال الدليلين واجب ما أمكن، فيجب إجراء المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده فيما نحن فيه؛ إذ لو حمل المطلق على المقيد يلزم إبطال المطلق؛ لأنه يدل على إجزاء المقيد وغير المقيد، فيبطل الأمر الثاني من غير ضرورة، بخلاف ما إذا اتحدت الحادثة كما في: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ}⁣[المائدة: ٨٩] مع قراءة: «متتابعات»، فإنه لو لم يحمل المطلق على المقيد؛ لبطل حكم المقيد لاقتضائه وجوب التتابع واقتضاء المطلق جوازه، فوجب جعل المقيد بياناً للمطلق.

  قلنا: إذا تم القياس رجع إلى متحد الحكم والسبب؛ لأنه يصير بمنزلة نص مقيد للإطلاق.


(١) أي: سواء اقتضى الإلحاق أم لا.