هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

الباب الرابع من المقصد الرابع: (في المجمل والمبين)

صفحة 16 - الجزء 3

  (و) إما (إعلالاً كمختار) فإنه متردد بين الفاعل والمفعول بسبب الإعلال⁣(⁣١)، وهو قلب الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فيهما، ولولا الإعلال لما كان مشتركاً بينهما⁣(⁣٢)؛ لوجوب كسر العين في اسم الفاعل وفتحها في اسم المفعول⁣(⁣٣). ومن هذا القبيل قوله تعالى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}⁣[البقرة: ٢٣٣]، سواء كان مرفوعاً على قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب، أو مفتوحاً⁣(⁣٤) على


(قوله): «لا تضار والدة بولدها» لاحتمال أن يكون للفاعل، أي: لا تضار والدة زوجها بسبب ولدها، أو لا يضار مولود له امرأته بسبب ولده، وأن يكون للمفعول فهو نهي⁣[⁣١] أن يلحق بها الضرار من قبل الزوج، وعن أن يلحق بالزوج الضرار من قبلها بسبب الولد.

(قوله): «سواء كان مرفوعاً» بأن يكون: «لا تضار» خبراً وليس بنهي.

(قوله): «أو مفتوحاً» على أن لا للنهي، ويكون على لغة⁣[⁣٢] من فتح رد ولم يرد كما ذلك معروف.


(١) قال في شرح جمع الجوامع: ويفرق بينهما بحرف الجر، تقول في اسم الفاعل: مختار لكذا، وفي اسم المفعول: مختار من كذا.

(٢) أي: في الاستعمال.

(٣) في نظام الفصول: وهذا وهم مبني على ما زعمه النحاة في ذلك، وإلا فلم يرد عن العرب إلا كذلك، وهو معنى الوضع بالأصالة وإن أمكن تقدير الفرق قياساً على الصحيح.

(٤) وجه القراءة بالرفع أنه جعله نفياً لا نهياً، وأنه أتبعه ما قبله من قوله: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة: ٢٣٣]، وأيضاً فإن النفي خبر، والخبر قد يأتي في موضع الأمر، نحو قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ}⁣[البقرة: ٢٢٨]، وقوله: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}⁣[الصف: ١١]، وكذلك هذا أتى بلفظ الخبر ومعناه النهي، وذلك شائع في كلام العرب. ووجه القراءة بالفتح أنه جعل نهياً على ظاهر الخطاب، فهو مجزوم، لكن تفتح الراء لالتقاء الساكنين بسكونها وسكون أول المشدد، وخصها بالفتح دون الكسر لتكون حركتها موافقة لما قبلها، وهو الألف. ويقوي حمله على النهي أن بعده أمراً في قوله ø: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}⁣[البقرة: ٢٣٣]، ووالدة يحتمل أن تكون فاعله وتضار: بمعنى تفاعل، أي: لا تضارر والدة بولدها فتطلب عليه ما ليس لها وتمتنع من رضاع ولدها مضارة، ويحتمل أن تكحون مفعولة لما لم يسم فاعله، وتضار بمعنى تفاعل، ومعنى لا تضار والدة بولدها لا تمنع من ولدها من الرضاع وهي تأخذ مثل ما يأخذ غيرها ولا تمنع من نفقته، وعلى ذلك يحمل: {وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} فإنه يحتمل الوجهين جميعاً. (من الكشف المكي في القراءات بلفظه).


[١] هذا لف ونشر غير مرتب فتأمل. (ح عن خط شيخه).

[٢] وهو الفصيح. (ح). وفي حاشية: قلت: والفتح في المجزوم المضاعف فصيح كما هو معروف في موضعه من التصريف.