هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

الباب الرابع من المقصد الرابع: (في المجمل والمبين)

صفحة 52 - الجزء 3

  فإن مقتضى الآية عموم القطع لليدين من المنكبين بعموم السرقة للقليل والكثير؛ فجاءت السنة ببيان القدر الذي يجب فيه القطع وكونه من حرز ومحل القطع وكونه من اليمين خاصة، وهذه البيانات إنما جاءت بالتدريج من غير مقارنة إجمالي؛ لأنه لم ينقل، والأصل عدمه.

  (و) تأخر أيضاً (بيان نحو آيتي الصلاة والزكاة في المجمل) فإن قوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} ظاهر في مطلق الدعاء، ولم يرد باتفاق⁣(⁣١)، ولم يقترن به البيان، بل أخر بيان أفعال الصلاة وأوقاتها إلى أن بين لجبريل ثم بين جبريل بعد ذلك للنبي ÷ ثم بين النبي ÷ بعد ذلك لغيره من المكلفين. وكذلك الزكاة، فإن قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} لا يفهم منه مقدار الواجب وصفته في النقود والمواشي وغيرها من أموال الزكاة، فبين النبي ÷ ذلك شيئاً فشيئاً على التدريج، ولأنه نزل قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}⁣[الأنعام: ١٤١] في مكة، وقدر الحق مجمل، ولم يبين إلا حين وجبت الزكاة، وذلك في المدينة.

  وقلنا: إن البيان تأخر عن المبيَّن (إذ لم ينقل اقتران) له بالمبيَّن (والأصل عدمه) بل وقوع انفكاك البيان عن المبين معلوم عند الناظرين في السير المطلعين على موارد الأحكام.

  روي عن ابن عباس قال: إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك امرأة يقال لها: أم كحة⁣(⁣٢) وثلاث بنات له منها، فقام ابنا عم الميت ووصياه سويد وعرفجة⁣(⁣٣) فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئاً، وكانوا في الجاهلية لا


(قوله): «ووصياه» لعله عطف تفسيري.


(١) بل أريد الشرعي، وهو غير متضح، فيكون لفظ الصلاة مجملاً فيه، والله أعلم. (من إملاء الحبشي).

(٢) في الصحاح: بالحاء المهملة، امرأة نزلت في شأنها الفرائض.

(٣) من أسماء الرجال. (ديوان من باب فعلل بفتح الفاء واللام). والعرفج: شجر سهلي واحدته بهاء، وبه سمي الرجل. (قاموس [والتصحيح منه]).