الباب الرابع من المقصد الرابع: (في المجمل والمبين)
  يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً، وإنما يورثون الرجال الكبار، وكانوا يقولون: لا نعطي إلا من قاتل على ظهور الخيل وذاد عن الحوزة(١) وحاز الغنيمة، قال: فجاءت أم كحة إلى رسول الله ÷ فقالت: يا رسول الله، إن أوس بن ثابت مات وترك علي بنات وأنا امرأته، وليس عندي ما أنفق عليهن، وقد ترك أبوهن مالاً حسناً، وهو عند سويد وعرفجة، ولم يعطياني ولا بناته من المال شيئاً، فدعاهما رسول الله ÷ فقالا: يا رسول الله، ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كَلّاً(٢) ولا ينكأ عدواً، فقال رسول الله ÷: «انصرفوا حتى أنظر ما يُحْدِث الله لي فيهن» فانصرفوا فأنزل الله: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ...} الآية [النساء: ٧]، فبعث إليهما: «لا [ألا (نخ) ] تفرقا من مال أوس شيئاً فإن الله قد جعل لهن نصيباً ولم يبين حتى يبين(٣)» فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ...}[النساء: ١١]، فأعطى أم كحة الثمن والبنات الثلثين والباقي لابني العم.
  ومن الأدلة على جواز تراخي البيان قوله: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ١٨ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ١٩}[القيامة]؛ لأن ثم للتراخي.
  احتج (المانع) لتأخير البيان إلى وقت الحاجة بأنه (يستلزم العبث في المجمل، والتلبيس في الظاهر) بيان ذلك: أن الخطاب بالمجمل من دون بيانٍ خطابٌ بما لا يستفاد منه شيء أصلاً، وما هو كذلك ظاهر في كونه عبثاً، وأنَّ الخطاب بالعام مثلاً يستفاد منه شموله، فلو أريد به بعض ما شمله دون البعض
(قوله): «حتى يبين» متصل بقوله: لا تفرقا، أي: لا تفرقا حتى يبين.
(١) الحوزة: ما حازه الرجل من ضيعة وغيرها. (شمس علوم).
(٢) في النهاية: وفي حديث خديجة: «كلا، إنك لتحمل الكل» هو بالفتح الثقل من كل ما يتكلف.
(٣) في نسخة: حتى يبين الله.