هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

الباب (الخامس) من المقصد الرابع: (في مفهومات الخطاب)

صفحة 80 - الجزء 3

  تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ٩٦}⁣[آل عمران] بالقلب، وبكة بالصدر، فجعلوه بيت الله، فكان مباركاً على الإنسان وهدى يهتدي به، فإن النور الإلهي إذا وقع في القلب انفسح له واتسع فلا يسمع ويبصر ويعقل وينطق ويبطش ويمشي ويتحرك ويسكن إلا به، وجعلهم مقام إبراهيم عبارة عن الخلة التي توصل الخليل إلى خليله، فمن وصل إلى ذلك المقام أمن من نار القطيعة وعذاب الحجاب، وهذا طرف من تأويلهم الباطل، وقد تأولوا القرآن من أوله إلى آخره على هذا لأسلوب وزعموا أنه المراد⁣(⁣١)، وعطلوه من الشرائع والأحكام.

  (ومنهم من خصه بالصريح) يعني أن من العلماء كالغزالي والبيضاوي وغيرهما من يخص المنطوق بالصريح المتقدم ذكره (فهو ما أفاده اللفظ مما وضع له) وضعاً شخصياً أو نوعياً، فتدخل الحقائق والمجازات سواء كانت شرعية أو عرفية أو لغوية، وتخرج عنه دلالة الاقتضاء⁣(⁣٢) والتنبيه والإشارة؛ لعدم الوضع فيها، وقد وقع بين الأصفهاني والقونوي⁣(⁣٣) مباحثة طويلة في الترجيح بين القولين، عضد فيها الأصفهاني قول ابن الحاجب وموافقيه وانتصر له، ورجحه البرماوي، وعليه المتأخرون من أصحابنا وغيرهم.


(قوله): «مما وضع له» إما بالمطابقة أو التضمن؛ ليوافق ما سبق نقلا عن السعد من أن الصريح ما كانت دلالته على المعنى بأحدهما.

(قوله): «وتخرج عنه دلالة الاقتضاء ... إلخ» لما عرفت من أن دلالتها بالالتزام، وسيصرح المؤلف # بذلك بقوله: وعلى الثاني يلزم عن مفرد.


(١) حكى السيوطي في الاتقان أنهم تأولوا قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ}⁣[البقرة: ٢٥٥]: «من ذل ذي» أي: من ذل النفس، «يشف» أي: من الآلام القلبية، «ع» فعل أمر للجماعة من وعوا، أي: عوا هذا الكلام، «عنده» أي: في حضرة الله. اهـ بالمعنى.

(٢) هذا إنما يناسب كلام ابن الحاجب كما سبق.

(٣) بفتح القاف، ذكره في القاموس.