(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)
  والحديث إنما دل على أن آية الميراث متأخرة وأنه لا يجتمع في المال حقان(١)؛ لتصديره بـ «إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه»، والوجه أن في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ ..}[النساء: ١١]، إشعاراً بأنه تعالى تولى بيان حق كل ذي حق من الأقارب بعد أن فوضه إلينا لعجزنا عن معرفة مقاديره كما قال تعالى: {لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا}[النساء: ١١]، وأوضح ذلك الإشعار بالحديث.
  وتحريره: أن تقدير أنصباء الأقارب كان مفوضاً إلينا؛ لأنه المفهوم من قوله: {بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: ١٨٠]، ثم أوجبها الشارع مقدرة في الآية، والمقدرة تنافي المفوضة، فنسختها.
  وعن الرابع بأن قوله تعالى: {مِنْ بَعْدُ}[الأحزاب: ٥٢]، قيد في الحكم محكم في التأبيد، والحديث غير صحيح، ولو سلم فالنسخ بقوله: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ..} الآية [الأحزاب: ٥٠]، وقولها: «أحل» ظاهر في أنه بالكتاب.
  وعن الخامس(٢) بأن المعنى لا أجد الآن، والتحريم في المستقبل لا ينافيه، ولو سلم فالحديث مخصص لا ناسخ.
(قوله): «بعد أن فوضه إلينا» يعني في آية الوصية.
(قوله): «من بعد» أي: من بعد ما اخترن الله ورسوله شكراً لهن على ذلك الاختيار، فأنزل: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ}[الأحزاب: ٥٢].
(قوله): «محكم» أي: غير منسوخ.
(١) وصية وميراث.
(٢) وأجيب عن الخامس إما بمنعه، أي: بمنع كون الآية منسوخة، وهذا مذهب مالك. (مختصر وشرحه للجلال).