هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الخلاف في جواز كون العلة حكما شرعيا]

صفحة 390 - الجزء 3

  (قلنا) جواباً عن احتجاجهم: (لا يضر النقض لمانع) لما سبق (ولا تحكم مع نحو المناسبة) من سائر المسالك.

  (وقيل: يجوز) أن تكون العلة حكماً شرعياً لا مطلقاً، بل إذا كان (لتحصيل مصلحة فقط)⁣(⁣١) كما يقال في بطلان⁣(⁣٢) بيع الخمر: علته النجاسة؛ لمناسبتها المنع من الملابسة تكميلاً لمقصود البطلان، وهو عدم الانتفاع، والنجاسة حكم شرعي كما تقدم، وأما إذا كان لدفع مفسدة يقتضيها حكم الأصل فلا يجوز (لأن) الحكم (الشرعي لا يكون منشأ مفسدة) مطلوب دفعها، وإلا لم يشرع ابتداء، وهذا القول هو الذي اختاره ابن الحاجب.

  (قلنا) جواباً عما احتج به: (قد يشتمل) الحكم الشرعي (على مصلحة راجحة ومفسدة) مرجوحة مطلوبة الدفع، فحينئذ (تدفع بحكم آخر) شرعي (لتبقى تلك) المصلحة (خالصة) عن شائبة الفساد، وذلك كحد الزنا فإنه حكم شرعي مشتمل على مصلحة راجحة هي حفظ النسب، وهو حد ثقيل لما فيه من إتلاف النفوس وإيلامها، فكان في كثرة وقوعه مفسدة ما، فشرع المبالغة والاحتياط في طريق ثبوته - أعني الشهادة - دفعاً للمفسدة المرجوحة، فوجوب الحد المفضي إلى كثرة الإتلاف والإيلام حكم شرعي، وهو علة لوجوب كون الشهداء أربعة دفعاً لمفسدة الكثرة؛ لتبقى مصلحة حفظ النسب خالصة.


(قوله): «ولا تحكم مع نحو المناسبة ... إلخ» أي: مع ثبوت علية الحكم بالمناسبة وغيرها من المسالك.

(قوله): «لما فيه من إتلاف النفوس» كما في رجم المحصن «وإيلامها» كما في الجلد.

(قوله): «وهو علة لوجوب كون الشهداء أربعة» في السعد: حكم شرعي معلل بوجوب الأربعة في الشهود.


(١) تلزم من شرع الحكم الذي هو العلة. (نيسابوري).

(٢) إذا قيل: الخمر مثلا نجس فيبطل بيعها كالخنزير فالأصل ههنا هو الخنزير، وحكمه بطلان البيع، والنجاسة التي هي حكم شرعي علة باعثة على بطلان بيعه؛ لتحصيل مصلحة تتبعها هي التنزه عن مزاولة القاذورات، وبطلان البيع أيضاً حكم شرعي، وإنما جاز ذلك لأنه لا يمتنع أن يستلزم ترتيب أحد الحكمين على الآخر حصول مصلحة لا يستقل بها أحدهما كما في هذا المثال. (رفواً).