هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

النوع الثالث من الاعتراضات: وهو الوارد على حكم الأصل

صفحة 485 - الجزء 3

  أبو إسحاق الشيرازي: إنه لا يسمع هذا المنع من المعترض، وقد تؤول قوله بأحد وجهين: أحدهما: أن يكون المستدل ممن يرى وجوب الإجماع على حكم الأصل، ولا يسمع المنع في محل الإجماع. ثانيهما: أن يكون مدعاه لو ثبت⁣(⁣١) حكم الأصل لثبت حكم الفرع، وغرضه ضم نشر الجدال.

  وأما كون المستدل لا ينقطع بمجرده فلأن إثبات حكم الأصل مما يتوقف عليه إثبات المطلوب، والانتقال إنما يقبح إذا كان إلى غير ما به تمامه، فمنع حكم الأصل (كمنع العلية و) كمنع (وجودها) في الأصل أو في الفرع، فإنه يصح منه بيان ذلك ولا يعد المنع قطعاً له بالاتفاق، وإذا لم ينقطع (فعليه الدليل) على إثبات حكم الأصل. وذهب البعض إلى أن هذا المنع قطع للمستدل فلا يمكن من إثباته؛ لأنه انتقال إلى حكم آخر شرعي قدر الكلام فيه كالكلام في الأول،


(قوله): «لا يسمع هذا المنع» فلا يلزم المستدل الدلالة على ثبوت حكم الأصل.

(قوله): «أن يكون مدعاه» أي: المستدل «لو ثبت حكم الأصل ... إلخ» فثبوت حكم الفرع على فرض ثبوت حكم الأصل؛ إذ بهذا الفرض تحصل المساواة المطلوبة في القياس، وحينئذ فلا يسمع المنع.

(قوله): «لا ينقطع بمجرده» أي: بمجرد المنع.

(قوله): «إلى غير ما به تمامه» أي: تمام مطلوب المستدل.

(قوله): «قدر الكلام» إشارة إلى الفرق بين الانتقال إلى حكم شرعي وبين الانتقال إلى غيره مما به تمام المطلوب، وذلك أن الحكم الشرعي يستدعي من الأدلة والشرائط مثل ما يستدعي الحكم الأول فيطول المقال، بخلاف الانتقال إلى غيره من مقدمات المناظرة؛ ولذا فإن من تكلم في مسألة الخنزير ثم تكلم في أحوال له ثم أخذ يتكلم في مسألة الكلب عد منتقلاً، بخلاف من تكلم في مسألة الخنزير ثم تكلم في أحوال له ولصفاته. وقد أجاب في شرح المختصر عن ذلك بأن هذا الفرق لا يظهر له أثر عند التأمل فلا يخفى ما فيه من الضعف، وأشار المؤلف # إلى ذلك بقوله: وكونه انتقل إلى حكم شرعي ... إلخ.


(١) وإما بناء على أن المستدل يريد لو ثبت حكم الأصل لثبت إلحاق الفرع به، وهذه شرطية لا يلزم وجود طرفيها؛ لأنها فرضية فرضها المستدل فلا يلزم دلالة عليه وإن لزمته الدلالة على تلازم الطرفين على فرض وقوع المقدم؛ لأن ذلك يتم له بمشاركة الفرع للأصل المفروض على تقدير وقوعه، قال المصنف: وهو [أي: قول الشيرازي: إنه لا يسمع] بعيد؛ إذ لا تقوم الحجة على خصمه مع منع أصله؛ لأنه وإن جاز كونه مجمعاً عليه فربما كان الإجماع استدلالياً يصح منعه، نعم، لا بعد لو ادعاها شرطية. (مختصر وشرحه للجلال).