هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[ذكر بقية الأدلة التي اختلف فيها]

صفحة 549 - الجزء 3

[ذكر بقية الأدلة التي اختلف فيها]

  ولما فرغ من الأدلة الأربعة وما يرد عليها شرع في غيرها مما يتمسك به بعض وينفيه آخرون، ولم يذكر التلازم لأنه تمسك بمعقول مفهوم من النص أو الإجماع أو القياس، فهو في الحقيقة تمسك بها؛ إذ ثبوت هذه الملازمات⁣(⁣١) الشرعية


(قوله): «ولم يذكر التلازم» كما ذكره ابن الحاجب وغيره. والمراد بالتلازم هنا هو اللزوم، أعم من أن يكون من الطرفين بأن يكون كل منهما لازما وملزوما، أو من طرف بأن يكون أحدهما ملزوما والآخر لازما من غير عكس كالعام والخاص مطلقا، وأما العام والخاص من وجه فلا تلازم بينهما ولا تناف كالأسود والمسافر.

(قوله): «لأنه تمسك بمعقول» لأن الاستدلال بالتلازم بين الحكمين إما بثبوت كل منهما على ثبوت الآخر ونفيه على نفيه إن كان بينهما تلازم تساو، وإما ثبوت الملزوم منهما على ثبوت اللازم ونفي اللازم على نفي الملزوم إن لم يتساويا لزوماً، بل كان أحدهما ملزوما والآخر لازماً. وإما بالتنافي بينهما، ففي الانفصال الحقيقي ثبوت كل منهما مستلزم لنفي الآخر ونفيه ثبوته، وفي منع الجمع ثبوت كل مستلزم نفي الآخر من غير عكس، وفي منع الخلو نفي كل مستلزم ثبوت الآخر من غير عكس. ومدار الاستدلال بما ذكرنا على الأقيسة الاستثنائية، وتجري الاقترانية في التلازم أيضاً، فجميع ما ذكرنا تمسك بمعقول يكون الاستدلال به على قانون البرهان المنطقي.

(قوله): «مفهوم من النص ... إلخ» ولو قال: مأخوذ من النص لكان أظهر، يعني أن ما ذكرنا من الملازمات إن كان مأخوذاً من النص أو الإجماع أو القياس فالتمسك في الحقيقة بها، والطريق البرهاني إنما هو وصله إلى استخراج الأحكام من تلك الأدلة الشرعية، مثلا إذا قلنا: وجد السبب فيوجد الحكم، أو فقد الشرط أو وجد المانع فيعدم الحكم - فإن كان ثبوت السببية والمانعية والشرطية بأحد تلك الثلاثة الأدلة كان ثبوت تلك الأحكام بالشرع وإن وقع التوصل إليها بقياس اقتراني، كأن يقال: هذا حكم دل عليه النص، وكل حكم دل عليه النص فهو ثابت، أو بقياس استثنائي كأن يقال: لو وجد سبب هذا الحكم لوجد الحكم، لكنه ... إلخ. وإذا تحققت فجميع الأحكام الثابتة بالنص أو الإجماع أو القياس من هذا القبيل؛ لأنه ينتظم فيها دليل هكذا: هذا حكم دل عليه النص، وكل ما دل عليه النص فهو ثابت، فالتوصل بالبرهان المنطقي إلى استخراج الأحكام من النصوص لا يخرجها عن كونها ثابتة بالنص أو الإجماع أو القياس، والله أعلم. واعلم أن المؤلف # قيد التلازم بأنه تمسك بمعقول مفهوم من النص ... إلخ لأن كلامه # في الأحكام الشرعية؛ فلا يرد أن التلازم كثيراً ما يكون في الأمور المعقولة.

(قوله): «إذ ثبوت هذه الملازمات الشرعية ... إلخ» لم يتقدم في كلام المؤلف بيان الملازمات الشرعية الوضعية حتى تصلح الإشارة إليها، ولعله يقال: الإشارة إلى ما يفهم من قوله: بالنص أو الإجماع أو القياس. مثال التلازم في الأحكام الشرعية: من صح طلاقه صح ظهاره، ومثل: ما يكون حراماً لا يكون جائزاً. وفي الأحكام العقلية: كلما كان جسماً كان مؤلفاً.