[التقليد في العقليات]
  حرامان(١)؛ إما لأن المطلوب فيه العلم، وعندهم أن النظر لا يفيده، وإما لأن النظر قد يورث شبهة فيكون ذلك سبباً للضلال على الرأيين المشهورين. والقول بالوجوب وهو الظاهر(٢) من كلام الشافعي.
(قوله): «على الرأيين المشهورين» عندهم، قال في شرح الجمع: فمن الموجبين للتقليد من جعل سببه أن النظر فيه لا يفضي إلى العلم الذي هو المطلوب، ومنهم من قال يفضي إليه ولكن ربما أوقع الناظر في شبهة فيكون سبب ضلاله.
(قوله): «والقول بالوجوب وهو الظاهر من كلام الشافعي» قال في شرح الجمع قال الشافعي: رأيي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد وينادى عليهم [في العشائر][١]: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة واشتغل بعلم الأوائل، قال في شرح الجمع: لكن هذه العبارة تدل على أنه إنما ذم الناظر فيه[٢] من غير كلام الله ورسوله، بل بالنظر في علم الأوائل الذي هو جهل وضلال.
(١) والقائل به قوم من أهل الحديث، ونسبه الزركشي إلى الأئمة الأربعة، ولم يحفظ عنهم، وإنما توهم من نهيهم عن تعلم علم الكلام، وهو محمول على من خيف أن يزل فيه لعدم استقامة طبعه. (شرح تحرير).
(٢) وقال بعضهم: عامة الفقهاء من المذاهب الأربعة ذهبوا إلى أن معرفة الدليل ليست بشرط لصحة الإيمان، فيصح إيمان المقلد لغيره بلا دليل؛ لحصول التصديق الذي هو حقيقة الإيمان جزماً، وقال ابن حجر: عن بعضهم أنه أنكر وجوب المعرفة أصلاً وقال: إنها حاصلة بأصل الفطرة، واستدل بقوله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ}[الروم: ٣٠]، وبحديث: «كل مولود ... الخبر»، وقال القاضي زكريا: اتباع الغير فيما علم من الدين ضرورة لا يعد تقليداً؛ إذ لا يختص به الغير، وفي الكفاية: أن الظاهر من مذهب الماتريدي وأصحاب الظواهر أن من نشأ بين المسلمين في الأمصار وكان من ذوي النهى والأبصار، وتفكر في ملكوت السماوات والأرض آناء الليل والنهار، وسبح لله عند كل ريح عاصف، وبرق خاطف، ورعد باهر، ونور زاهر فذلك منه استدلال وتمجيد، وهو خارج عن حد التقليد.
[١] ما بين المعقوفين من شرح الجمع.
[٢] تمام هذا في شرح أبي زرعة على جمع الجوامع، وهو ما لفظه: وكيف يريد الإنسان الاهتداء بكلام من لم يدله عقله على معرفة الله تعالى فوافق [أ] على الكفر به؟ وإذا غضب النبي ÷ من النظر في التوراة التي هي هدي ونور إلا أنها منسوخة كيف لا يغضب ممن يروم [ب] معرفة ربه بكلام أعدائه، وقال البيهقي: إن نهي الشافعي وغيره عنه إنما هو لإشفاقهم على الضعفة ألا يبلغوا ما يريدون منه فيضلوا [ج]، وقد زلت بسببه أقدام جماعة، وقال الشافعي: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح. مع أن أصحابنا عدوه من فروض الكفايات، فهو علم شريف إلا أنه خطر، هذا إن نظر فيه بطريق الشرعيات، فإن نظر فيه على طريقة الأوائل فهو مذموم مطلقاً. (منه). وفي حاشية على قوله إنما ذم الناظر ... إلخ ما لفظه: يقال: مراده أن هذا شأنهم وديدنهم في الغالب. (حسن بن يحيى).
[أ] - في شرح الجمع: فوافى.
[ب] - في المطبوع: لا يغضب عن معرفة ربه. والمثبت من شرح الجمع.
[ج] - في المطبوع: فقد ضلوا. والمثبت من شرح الجمع.