هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الخلاف في جواز تقليد المفضول مع وجود الأفضل]

صفحة 642 - الجزء 3

  ترك النظر في التفضيل، وإذا لم يبحث لم تظهر له حاله، فترك الإنكار لتجويز أنه قد نظر واتبع الراجح في ظنه لا لتسويغ اتباع المفضول، وأما الحديث⁣(⁣١) فقد بينا فيما سبق طرفاً مما فيه من المقال.

  (و) ثانيهما: (المنع) من تقليد المفضول⁣(⁣٢)، فيجب عليه الأخذ بقول الأكمل علماً وورعاً، وهذا مذهب المؤيد بالله وأبي طالب والمنصور بالله والشيخ الحسن ومقتضى كلام الرازي، قال الدواري: وأحسب أنه قول جميع الأصوليين إلا الشيخ أبا الحسين، قال الدواري: هذا في العامي الذي لا يميز بين وجوه المسائل وأدلتها، وأما المميز الحافظ لأقوال العلماء والخائض في أدلتهم فالواجب عليه


(قوله): «وأما الحديث فقد بينا فيما سبق» يعني في الإجماع «طرفا مما فيه من المقال» وهو تضعيف أئمة الحديث له بما عرفت هنالك.

(قوله): «قال الدواري: وأحسب أنه قول جميع الأصوليين» قلت: والذي في الفصول والبيان عن أبي طالب والبلخي وأبي الحسين والقاضي والباقلاني وبعض المتأخرين واختاره ابن الحاجب أن الأفضلية غير معتبرة، فالجميع سواء، يؤيد هذا ما ذكره المؤلف # من وقوعه من غير نكير، ويؤيد الأول النظر كما ذكره في الفصول، وهو أن أقوال المجتهدين بالنسبة إلى المقلد كالأدلة بالنسبة إلى المجتهد إذا تعارضت.

(قوله): «قال الدواري: هذا في العامي الذي لا يميز بين وجوه المسائل وأدلتها» يعني يميز بين أفراد الوجوه وأفراد الأدلة، فيعرف رجحان بعض الوجوه على بعض وبعض الأدلة على بعض، وليس المراد مجرد معرفته للترجيح بين القسمين، أعني الوجوه والأدلة، ولعله أراد بالوجوه التعليلات كما يشعر بذلك قوله بعد هذا: من أدلة المسائل وتعليلها، قلت: وإذا كان المراد بالعامي من لا يميز بين وجوه المسائل وأدلتها لا من لا يعرف التقليد ولا صفة من يقلد ولا يعرف الراجح من المجتهدين من المرجوح اندفع ما يرد على ما ذكره المؤلف # فيما سيأتي من قوله: والحق أنه يجب عليه اتباع الأحوط من الأقوال؛ فإنه يقال: من لا تمييز له لا يمكنه الاطلاع على ما هو الأحوط منها لعدم اهتدائه إلى ذلك، ووجه الدفع أن هذا إنما يتوجه فيمن لا تمييز له بمعنى أنه لا يعرف التقليد ولا صفة من يقلد، وأما من يعرف ذلك ولا يميز بين وجوه السائل وأدلتها فلا يتوجه ذلك، والله أعلم. نعم، وهل مدار الأحوطية في الأحكام على ما كان دليله صحيحاً أو ما كان قوياً في نظر المجتهد أو على ما كان أشد مطلقاً كما هو ظاهر قول المؤلف فيما يأتي: فيعمل بالعزائم، وللإمام القاسم # في الإرشاد كلام بسيط فيما هو الأحوط للمقلد ينبغي معرفته.


(١) وأجيب بأن النزاع في الاقتداء بالرأي، وهو أخص من مطلق الاقتداء الذي دل عليه الحديث، والمطلق لا يستلزم المقيد؛ إذ لا عموم في الفعل المثبت. (جلال).

(٢) ذكر في شرح أبي زرعة على الجمع قولاً ثالثاً، قال: واختاره المصنف، يعني: السبكي، وهو أنه يجوز لمن يعتقده فاضلاً أو مساوياً لغيره، فإن اعتقده دون غيره امتنع استفتاؤه.