هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[مسألة: في وجوب طلب الترجيح بين الأمارتين وفي جهات الترجيح بحسب السند]

صفحة 666 - الجزء 3

  البدايع، وعند القاضي عبدالجبار والشيخ الحسن وغيرهما أنهما مستويان، احتجت الحنفية بأن الثقة لا يقول: قال النبي ÷ إلا إذا قطع بقوله⁣(⁣١)؛ ولذا قال الحسن: إذا حدثني أربعة نفر من أصحاب رسول الله ÷ قلت: قال رسول الله ÷، وأجيب باحتمال أن قطعه عن اجتهاد في عدالة الراوي، والاجتهاد محتمل للخطأ، والمجتهد لا تقليد له، فلا بد من ذكر الرواة ليجتهد في عدالتهم⁣(⁣٢)، وقد لا يعلم المرسل جرح الراوي ويعلمه المجتهد، ورد بأن الاتباع لغلبة ظن الصدق لا سيما من المجتهد لا يسمى تقليداً، والتحقيق أن المرسل لا يجزم بأن النبي ÷ قال، بل يظن أنه قال، ففي الإرسال مجرد ظنه، وفي الإسناد ظنون جميع الرواة، وأيضاً عدالة من أغفل ذكره في المرسل لا يعرفها إلا المرسل، والمذكور في المسند يعرف عدالته جميع من تحته من أهل الإسناد، فيكون كمن كثر مزكوه.

  ومنها: قرب الإرسال، فإرسال الصحابي أولى؛ لقبوله بالاتفاق⁣(⁣٣)، وأغفل ذكره في المتن لقلته (و) بعده (إرسال التابعي) لقلة الوسائط (و) بعد ذلك (إرسال من) عرف من حاله أنه (لا يرسل إلا عن عدل) لحصول الظن بعدالة من طواه.


(قوله): «فإرسال الصحابي أولى لقبوله بالاتفاق» لعله حيث صرح بالإرسال؛ إذ قد تقدم أن الظاهر فيما أطلقه الإسناد.

(قوله): «وإرسال التابعي» إلا أن يكون غيره من أئمة الحديث المهرة فهو أرجح؛ لما علم من ضعف كثير من التابعين، ذكره في شرح الفصول للسيد الجلال.

(قوله): «لا يرسل إلا عن عدل» هذا مبني على أن الإرسال عن غير العدول ليس بجرح في المرسل، والحق أنه جرح، فهو مسلوب الأهلية فضلا عن أن يعارض أئمة الورع.


(١) العلماء يستعملون القطع في معنيين: أحدهما: ما يقطع الاحتمال أصلاً، كالحكم والمتواتر، والثاني: ما يقطع الاحتمال الناشئ عن دليل، كظاهر النص والخبر المشهور مثلاً، فالأول يسمونه علم اليقين، والثاني علم الطمأنينة. (قال في الأم: اهـ من مسودة الفصول نقلاً عن التنقيح).

(٢) فعلى هذا لا يكون مقلداً في شيء من طرق ما استنبطه من الحكم، وإلا لم يكن مجتهداً. (من أنظار زيد بن محمد بن الحسن). هذا عزاه المقبلي إلى السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير قال: والجمهور أنه يصح أن يكون مجتهداً مع تقليده المحدث في صحة الحديث.

(٣) يعني: اتفاق الأكثرين؛ لأن فيه خلافاً كما في حاشية الفصول.