هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في بيان أقسام للألفاظ تتمايز بتمايز معانيها

صفحة 369 - الجزء 1

  قال السمرقندي: وظني⁣(⁣١) أن هذا أقرب إلى الصواب؛ فإن معاني مصادر هذه الأفعال معان مستقلة بالمفهومية قطعاً، ولا ينافي⁣(⁣٢) ذلك كونها نسباً كما لا يخفى، وهي جزء من معانيها قطعاً؛ لظهور أن معنى «كان» في: كان زيد قائماً يشتمل على معنى الكون مع زيادة هي ثبوته له مع زمانه، ولا يخفى أن الكون قائماً صفة لزيد، وثبوت القيام له صفة للقيام.

  وأظهر منه صار، فإن الانتقال الذي هو معنى مصدره غير ثبوت الخبر لاسمه قطعاً، وهو معنى مستقل بالمفهومية وجزء من معناه.


(قوله): «فإن معاني مصادر هذه الأفعال معان مستقلة بالمفهومية ... إلخ» أي: ملحوظة في حد ذاتها ليست آلة لملاحظة الغير، بخلاف معنى الحرف كمن مثلاً فإن العقل لم يلاحظه في حد ذاته وبالنظر إليه في نفسه، بل من حيث إنه حالة بين السير والبصرة وآلة لمشاهدة حالهما في ارتباط أحدهما بالآخر، فلم يكن صالحاً للحكم به أو عليه، بخلاف معنى الكون مثلاً، ولا يضر توقف الكون ونحوه من الأفعال الناقصة على الخبر في تعيين ما هو قيد فيه من حيث إنه أمر نسبي؛ لأن المراد كون نسبي كالقيام، وذلك كما في الموصولات وأسماء الإشارة والضمائر فإنها لما كانت معانيها مستقلة بالمفهومية ملحوظة قصداً كانت أسماء وإن كانت لا تتعين إلا بالقرينة وسيأتي تحقيق الكلام إن شاء الله تعالى في فصل الحروف، وبهذا يظهر معنى قوله: فلا ينافي ذلك كونها نسباً، يعني فإن الأمور النسبية معانيها مستقلة ملحوظة قصداً وإن افتقرت إلى ذكر المنسوب إليه.

(قوله): «وهي» أي: معاني مصادر هذه الأفعال المستقلة بالمفهومية جزء من معانيها أي الأفعال الناقصة قطعاً وحينئذ فقد دلت على حدث قائم بمرفوعها منسوب إليه ثابت له.

(قوله): «مع زمانه» أي: زمان الكون كما في التامة فلا إشكال.

(قوله): «ولا يخفى أن الكون قائماً صفة لزيد» إذ هو الكائن بالكون الخاص، وهو القيام، وإذا كان كذلك اندفع قولهم: إنها لا تدل على أمر قائم بمرفوعها ... إلخ؛ لأن الكون قائماً قد قام بزيد.

(قوله): «وثبوت القيام له صفة للقيام» إذ هو الثابت لزيد، فلا يضر عدم اتصاف زيد بثبوت القيام. لا يقال: يلزمه أنه لا يتصف زيد بما نسب إليه من الأفعال التامة كالضرب والقتل والقيام والقعود لما ذكره المؤلف من التعليل، وذلك لأن ثبوت هذه المصادر صفة للمصادر لا لزيد؛ لأنا نقول: ذلك ملتزم، فإن المتصف به زيد هو كونه ضارباً وقاتلاً وقاعداً لا ثبوت الضرب والقتل والقعود ونحو ذلك، والله أعلم.

(قوله): «وأظهر منه صار ... إلخ» إنما كان أظهر لأن الكون قد يصدق على القيام لما بينهما من العموم والخصوص، بخلاف الخبر في صار زيد غنياً مثلاً فإن معنى صار الانتقال وهو مغاير لثبوت الخبر ولمعنى الخبر أيضاً.

(قوله): «وهو معنى مستقل» أي: الانتقال معنى ملحوظ قصداً.

(قوله): «وجزء من معناه» أي: من معنى صار، فقد دل عليه كالفعل التام.


(١) قوله: «وظني أن هذا» أي: ما جنح إليه جار الله.

(٢) في نسخة: فلا، وصحح عليه نسخة، وقوله: نسباً أي لا تعقل إلا بين شيئين.