هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: [فيما يتعلق بمباحث الحاكم]

صفحة 531 - الجزء 1

البحث الثالث: في الأحكام

  وهو أربعة فصول: الأول: فيما يتعلق بمباحث الحاكم.

  والثاني: فيما يتعلق بمباحث الحكم من وجوب وحظر وغيرهما.

  والثالث: فيما يتعلق بالمحكوم فيه، أعني فعل المكلف.

  والرابع: فيما يتعلق بالمحكوم عليه، أعني المكلف.

فصل: [فيما يتعلق بمباحث الحاكم]

  (الحاكم الشرع اتفاقاً) بين المعتزلة والأشعرية، قالت الأشاعرة: فما نهى عنه الشرع تحريماً أو تنزيهاً⁣(⁣١) فهو قبيح، وما لم ينه عنه الشرع فهو حسن، كالواجب


(قوله): «أو تنزيهاً» مقتضى عبارة المؤلف # إدراج المكروه في القبيح عند الأشاعرة، واتفاقهم على ذلك، وهو كما في شرح المواقف، فإن المؤلف اعتمده في هذه المسألة في تحرير محل النزاع وفي نقل أدلة الفريقين لتعرف صحة ما ذهب إليه العدلية؛ إذ بإبطال ما حرره المحققون من المخالفين تظهر قوة مقالة أهل الحق. وقد أطلق القبيح على المكروه البيضاوي وصاحب الجمع، واعترضه شارحه حيث قال: في إطلاق القبيح على المكروه نظر، قال: ولم أره لغيره، وغايته أنه أخذه من إطلاقهم النهي عليه، ثم حكى عن الإمام الجويني أن المكروه ليس قبيحاً ولا حسناً، قال: لأن القبيح ما يذم عليه، والحسن ما يسوغ الثناء عليه. قال السبكي: ولم أر أحداً خالف إمام الحرمين فيما قال. وما ذكره الجويني هو موافق لما سيأتي في تحرير محل النزاع، فإن المكروه واسطة على المعنى الثالث من معاني الحسن والقبح الآتية، وهو تعلق المدح والثواب والذم والعقاب، وغير داخل في المعنيين الأولين، أعني صفة الكمال والنقص، وملاءمة الغرض ومنافرته⁣[⁣١]. وقولهم فيما يأتي: «وما لم يتعلق به شيء منهما⁣[⁣٢] فهو خارج عنهما» إشارة إلى ذلك. فإن قيل: قد ذكروا هاهنا أن ما نهي عنه فهو القبيح الشامل للمكروه، وأن ما لم ينه عنه هو الحسن الشامل للمباح، وسيأتي أن الحسن والقبح يقالان لمعانٍ ثلاثة لا يشمل شيء منها المكروه والمباح، فيكون الشامل لهما - أعني ما نهي عنه وما لم ينه عنه - معنى رابعاً شاملاً للحسن والقبح. وقد أشار الشريف إلى هذا الإيراد، لكنه أجاب بأن ما نهي عنه وما لم ينه عنه داخلان في قول ابن الحاجب: ما لا حرج فيه وما فيه حرج، وهو مبني على أن المكروه من الحسن؛ إذ الحرج استحقاق الذم، فلا يجري جوابه هاهنا؛ لعدم صدق شيء من المعاني الثلاثة الآتية على ما يشمل المكروه والمباح بمعنى ما نهي عنه وما لم ينه عنه، فينظر في الجواب. واعلم أن إدخال المكروه في الحسن موافق لما ذكره أصحابنا، فإن المكروه عندهم من الحسن بالمعنى الأعم كما ذلك معروف⁣[⁣٣]، والله أعلم.

(قوله): «وما لم ينه عنه» هذا صادق على ما لم يأمر به الشارع ولم يأذن فيه، فيلزم الأشاعرة أن يكون حسنه بالعقل.


[١] ونعني بالغرض ما لأجله يصدر الفعل من الفاعل المختار. (من شرح البديع للأصفهاني. ح).

[٢] عبارة الهداية: وما لا يتعلق بشيء منهما، والمذكورة هنا عبارة التجريد، وهو أي: كون المذكور غير عبارة الهداية - ظاهر قول المحشي: وقولهم. (ح).

[٣] في شرح النجري للقلائد ما لفظه: مسألة في الحسن، وله معنيان: خاص، وهو ما فعله أولى من تركه، فيشمل الواجب والمندوب فقط. وعام، وهو ما ليس بقبيح، فيشمل الواجب والمندوب والمباح والمكروه، وهذا المعنى الأخير هو المراد حيث أطلق في هذا الفن.