هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الحروف: وضعها ومعناها وما يلحق بذلك]

صفحة 530 - الجزء 1

  «ابدؤوا⁣(⁣١)) بما بدأ الله به»، ولو كانت للترتيب لفهموه من الآية فلم يشكوا فيه فلم يسألوا فيحتاجوا إلى قوله: «ابدؤوا»، فلما سألوا علمنا أنها ليست للترتيب.

  (و) أما ثالثاً: فبما روي أنه خطب أعرابي عند رسول الله ÷ فقال: من أطاع الله ورسوله فقد اهتدى، ومن عصاهما فقد غوى، فقال ÷: «بئس خطيب القوم أنت، قل: ومن عصى الله ورسوله» فقالوا: (إنكاره ÷) لقول الأعرابي: (ومن عصاهما⁣(⁣٢) ملقناً) له بقوله: قل: (ومن عصى الله) ورسوله⁣(⁣٣) يدل على أن الواو للترتيب وإلا لم يكن بين العبارتين فرق فما كان للرد والتلقين معنى.

  والجواب: لا نسلم انحصار الفرق فيما ذكرتم من الترتيب؛ إذ الإفراد بالذكر فيه تعظيم ليس في القِرَان مثله، فرد عليه (لترك التعظيم) الذي كان يحصل بالإفراد (بالقِرَان) ويدل عليه أن معصيتهما⁣(⁣٤) لا ترتيب فيها.


(قوله): «بالقران» بكسر القاف وفتح الراء متعلق بترك لا بالتعظيم.

(قوله): «لا ترتيب فيها» إذ معصية أحدهما معصية الآخر؛ لأن كلاً آمر بطاعة الآخر فمعصيته معصية لهما.


(١) في شرح المختصر للسبكي ما لفظه: كذا وجد بخط المصنف بضمير الجمع للمخاطبين، وهو لفظ رواية النسائي، وفي مسلم: (أبدأ) بضمير المتكلم.

(٢) فدل نهيه عن الجمع بلفظ التثنية وأمره بالعطف أن غرضه الترتيب وأن العاطف دال عليه. (جلال).

(*) في شرح السبكي: كذا بخط المصنف، ولفظ الحديث: ومن يعصهما.

(٣) كذا بخط المصنف، واللفظ: يعص الله ورسوله. رواه مسلم. (شرح مختصر للسبكي).

(٤) ثم لا يخفاك أن المصنف وقع فيما أنكره النبي ÷ على القائل بقوله: معصيتهما. (من شرح الجلال). وفي شرح السبكي: فإن قلت: كيف قال المصنف: معصيتهما عقب سماعه اللوم على الجمع بين الله ورسوله في ضمير واحد؟ قلت: لوم الخطيب إنما كان لأن مقامه وهو العظة والخطابة يقتضي التوسيع في الكلام، فكان المناسب فيه الإفراد تعظيماً، ولا كذلك أماكن الاختصار كمختصر ابن الحاجب، وفي القرآن: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ}⁣[الأحزاب: ٥٦]، وفي الحديث: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)).