فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  ونحو ذلك(١).
  وقوله: «شرعاً أو عقلاً» يشمل الأحكام الشرعية والعقلية؛ لما تقرر من إثبات حكم العقل. ويخرج ما تعلق لا من جهتهما، كتعلق اللازم بملزومه.
  و «فعل المكلف» يخرج نحو قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ٩٦}[الصافات]،
(قوله): «يشمل الأحكام الشرعية والعقلية» فيكون قوله: «اقتضاء أو تخييراً أو وضعاً» تقسيماً لهما، لكن ينظر هل يوجد حكم وضعي في أحكام العقل، فالظاهر أن الوضعي يختص بالشرعي.
(قوله): «كتعلق اللازم بملزومه» نحو تعلق الضوء بالشمس، فإن تعلقه بالشمس لم يثبت بالشرع ولا بالعقل؛ إذ هو ثابت في الواقع غير متوقف على دلالة العقل عليه، بخلاف قضاء الدين ونحوه من الأحكام العقلية. لكن يقال: فلا وجه لجعل خروجه مبنياً[١] على إثبات حكم العقل لمعنى التحسين والتقبيح كما يفهم من قول المؤلف #: لما تقرر من إثبات حكم العقل؛ لأن تعلق اللازم غير متوقف على دلالة العقل[٢] مطلقاً سواء قلنا بإثبات حكم العقل - أعني التحسين والتقبيح - أم لا، وذلك ظاهر، مع أنه لو فرض توقف خروجه على ذلك لم ينتظم تقدير ذلك في قوله: أو عقلاً. وإن قيل: التقدير أو حكم علق عقلاً، وأريد بالحكم التحسين أو التقبيح - فلا دليل على هذا التقييد، ولا حاجة أيضاً في إخراجه إلى ذلك؛ لما عرفت من أن خروجه غير متوقف على إثبات حكم العقل مطلقاً، فالأولى أن يجعل خروجه بقوله: بفعل المكلف اقتضاء أو تخييراً، مع أنه لو جعل خروجه بقوله: «عقلاً» خرج كثير من تعلق اللوازم بملزوماتها التي ثبوتها بالعقل، والله أعلم.
(قوله): «وفعل المكلف يخرج نحو قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ٩٦}» هذا بناء على ما عليه أهل الحق واعتمده في الكشاف من كون ما موصولة، فالمراد: والذي تعملونه من الأصنام المنحوتة؛ ليناسب قوله تعالى: {مَا تَنْحِتُونَ ٩٥}[الصافات]، فإنها فيه موصولة، وإذا كان المراد ذلك لم يكن شيئاً متعلقاً بالفعل، بل بالذوات. وأما شارح المختصر فإنه لما جعل ما مصدرية بناء على مذهبهم، وكان التقدير: والله خلقكم وعملكم، فقد تعلق بفعل المكلف - احتاج في إخراجه إلى اعتبار قيد الحيثية، أي: من حيث إنه مكلف، فإن قيد الحيثية معتبر في الحدود وإن لم يصرح به، وقد صرح به صاحب الجمع حيث قال: من حيث هو مكلف. وبيان ذلك على مذهبهم أن قوله: والله خلقكم ... إلخ خطاب تعلق بفعل المكلف، لكن لا من حيث إنه مكلف، بل من حيث إنه إخبار بحال لفعل المكلف، وهو كونه مخلوقاً؛ بناء على جعل ما مصدرية. وأما ابن الحاجب فلم يعتبر قيد الحيثية، بل جعله خارجاً من قوله: بالاقتضاء أو التخيير، وهو ظاهر.
(١) كتعلق اللازم بملزومه، كالضوء بالشمس.
[١] لعل هذا غلط؛ فإن قول المؤلف: لما تقرر ... إلخ علة لشمول الحد للشرعية والعقلية فقط، لا لخروج تعلق اللازم بالملزوم كما ذلك نار على علم. (حسن يحيى عن خط العلامة أحمد بن محمد السياغي |).
[٢] لما بنى المحشي أن المؤلف بنى إخراج تعلق اللازم بملزومه على قوله: «لما تقرر من إثبات حكم العقل» اعترض عليه بأن إخراج تعلق اللازم بملزومه غير متوقف على حكم العقل، يعني التحسين والتقبيح؛ إذ لا يدركه العقل مطلقاً سواء قلنا بإثبات حكم العقل أم لا. والظاهر أن قول المؤلف: لما تقرر ... إلخ راجع إلى بيان شمول قوله: «شرعاً أو عقلاً» للأحكام الشرعية والعقلية، والمخرج لتعلق اللازم بملزومه قوله: «شرعاً أو عقلاً» من غير تقييده بإثبات حكم العقل - يعني التحسين والتقبيح - كما وهمه المحشي، فلا وجه لإسناد إخراجه إلى قوله: بفعل المكلف، فتأمل. (ح عن خط شيخه).