هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الأحكام التكليفية]

صفحة 562 - الجزء 1

  فندب، و) إن لم يقتض الفعل فإما أن يقتضي الترك أو لا (إن⁣(⁣١) اقتضى الترك) فإما أن يمنع من الفعل أو لا (فإن منع من الفعل فحظر، وإلا فكراهة) وإن لم يقتض الترك - والمفروض أنه لم يقتض الفعل - فلا محالة يكون مخيراً، وهو قوله: (وإن خيَّر فإباحة) فهذه خمسة أقسام. وهذه مسائل تتعلق بها، فللواجب ست، وللمندوب ثنتان، وللمحظور ثنتان، وللمكروه واحدة، وللمباح ثلاث:

[الواجب]

  مسألة: قد عرفت الوجوب (والواجب) متعلقه⁣(⁣٢)، فهو: فعل اقتضاه الدليل ومنع من تركه، وهكذا سائر الأقسام قد أفاد التقسيم المذكور سابقاً حدودها وحدود متعلقاتها. وللواجب حدود غير ما أخرجه التقسيم ذكر منها قوله: (ما يذم تاركه بوجه ما) أي: فعل يستحق تاركه في الشرع أو العقل الذم على تركه. فيخرج عنه


(قوله): «فوجوب، وقوله: فندب ... إلخ» الظاهر أنها أخبار لمبتدأ محذوف، وهو ضمير عائد إلى المعرِّف بكسر الراء، أي: فالمعرف هو وجوب، وقد عرفت أن نفس المعرف - وهو الخطاب - ليس نفس الحكم.

ويمكن تأويل عبارته بجعل⁣[⁣١] الضمير عائداً إلى الحكم وإن كان خلاف الظاهر. وعبارة الفصول: إن اقتضى الفعل حتماً فمعرف الوجوب، أو غير حتم فمعرف الندب ... إلخ، وهي سالمة عما ذكرنا.

(قوله): «قد أفاد التقسيم» وهو قوله: لأن معرف الحكم ... إلخ.

(قوله): «وحدود متعلقاتها» ففي المندوب يقال: فعل اقتضاه الدليل ولم يمنع من تركه. وقس باقيها.

(قوله): «ما أخرجه التقسيم» أي: كان سبباً في إخراجه واستحصاله منه، فالإسناد مجازي.

(قوله): «يستحق تاركه في الشرع أو العقل الذم على تركه» المراد بذم الشارع أن ينص بالذم، كأن يقول: ذموا أو ليذم تارك الفعل الفلاني أو هو مذموم، أو ينص بدليل الذم⁣[⁣٢] كقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ٢٣}⁣[الجن]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على الذم. ذكره في شرح المختصر وحواشيه؛ فيندفع ما يقال: إن أريد بذم الشارع نصه على ذلك فلم يوجد في الجميع، أي: كل تارك واجب، وإن أريد نص أهل الشرع لزم الدور؛ لتوقف ذمهم على وجوب الفعل.


(١) ضرب على الواو في نسخة، وجعل الواو في قوله: «وإن لم يقتض الفعل» حمرة.

(٢) إشارة إلى أن ما وقع في عبارة البعض من أن الواجب والمندوب ونحوهما أقسام للحكم ليس على ظاهره؛ لأن الواجب هو الفعل المتعلق للوجوب، وكذا سائرها.


[١] وأقرب منه جعله عائداً إلى اقتضاء المعرف للفعل الدال عليه - يعني الاقتضاء - لفظ اقتضى. (ح عن خط شيخه بتصرف يسير للإيضاح).

[٢] أو يقال: معناه ما يستحق تاركه الذم بدليل الشرع، وهو دليل الحكم المقتضي للفعل حتماً؛ لأن تارك المطلوب حتماً عاصٍ مذموم، والأولى عقلية، والثانية للآية الكريمة، فعلى هذا الذي اقتضى الذم هو دليل الشرع على ذلك الحكم المطلوب حتماً، والآية تصلح استدلالاً على اقتضاء الدليل ذم التارك شرعاً، لا نص الشارع، والله أعلم. (لسيدي حسن يحيى الكبسي عن خط العلامة أحمد بن محمد السياغي).