فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  على أنه يقال: لو سلم ملاحظة المفهوم اللغوي فلا نسلم امتناع كون الشيء مقدراً علينا بدليل ظني وكونه ساقطاً علينا بدليل قطعي، ألا ترى إلى قولهم: الفرض - أي: المفروض - المقدر علينا في المسح هو الربع.
  وأيضاً الحق أن الوجوب في اللغة هو الثبوت، وأما مصدر الواجب بمعنى الساقط والمضطرب فإنما هو الوجبة والوجيب. ثم استعمال الفرض فيما ثبت بظني والواجب فيما ثبت بقطعي شائع(١)، قال في التوضيح: وقد يطلق الواجب عندنا على المعنى الأعم أيضاً.
  (وينقسم) الواجب بالنظر إلى ذاته (إلى معين) كصلاة الظهر وصلاة الجنازة (ومخير) كخصال الكفارة.
  (و) بالنظر إلى فاعله (إلى فرض عين) وهو ما لا يسقط عن مكلف به بفعل مكلف آخر، كصلاة الظهر، ومنه خواصه ÷ (و) فرض (كفاية) وهو بخلافه، كصلاة الجنازة.
(قوله): «ألا ترى إلى قولهم» أي: الحنفية «الفرض ... إلخ» فقد أطلقوه على ما ثبت بظني. قال في شرح الجمع ما حاصله: نقض الحنفية أصلهم في أشياء، منها: هذا، ومنها: جعلهم القعدة في آخر الصلاة فرضاً، مع أنهما لم يثبتا بدليل قطعي.
(قوله): «هو الثبوت» لا السقوط كما زعموا.
(قوله): «والمضطرب» يقال: وجب القلب وجباً ووجيباً: رجف، كذا في المصباح.
(قوله): «شايع» يعني عند الحنفية؛ ولذا استدل بما في التوضيح من كتبهم.
(قوله): «ومنه خواصه ÷» لعل المراد هاهنا الواجبة عليه ÷. وهذه العبارة أجود من عبارة الفصول حيث قال: «ومن العين ما يعم جميع المكلفين»؛ لعدم شمولها لخواصه ÷.
(١) وفي الدرر ما لفظه: وينبغي أن يتنبه هاهنا لأمرين: أحدهما: أن هذا الاصطلاح وإن اشتهر عند الحنفية فقد شاع عندهم خلافه، وهو إطلاق الفرض على ما ثبت بظني والواجب على ما ثبت بقطعي، كقولهم: الوتر فرض، وتعديل الأركان فرض، ونحو ذلك، ويسمونه فرضاً عملياً لا علمياً، أي: لا علمياً يلزم اعتقاد حقيته، وكقولهم: الصلاة واجبة، الزكاة واجبة. الثاني: الواجب عندهم ينقسم إلى ما هو في قوة الفرض في العمل كالوتر، فإن أبا حنيفة | يمنع بتذكره صحة الفجر كتذكر العشاء. وإلى ما هو دون الفرض في العمل وفوق السنة كتعين الفاتحة حتى لا تفسد الصلاة بتركها عند أبي حنيفة، لكن يجب سجود السهو، وهو عنده لا يشرع بترك سنة.