فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  أصحابنا، واتفق الفريقان(١) على فساده، وهو: أن الواجب واحد معين عند الله غير معين عندنا، إلا أن الله تعالى يعلم أن المكلف لا يختار إلا ذلك الذي هو واجب عليه.
  والحجة لهذين القولين أما الأول: فالاتفاق على الخروج عن عهدة الواجب بأي منها يفعل. وأما الثاني: فلوجوب علم الآمر بما أمر به؛ لاستحالة طلب المجهول(٢).
  (وبطلانهما) أي: القولين (واضح(٣)) غير خفي، وما ذكر متمسكاً لهما ظاهر السقوط، أما الأول فلأن الخروج به عن عهدة الواجب لكونه واجباً(٤) على جهة البدل، أو لكونه أحدها لا بخصوصه.
  وأما الثاني(٥) فلأن علم الآمر بالمأمور به حاصل؛ لتعلق الأمر بالجميع؛ ولذا اشترط أن يكون التخيير بين أمور معينة. أو لأنه يكفي في علمه به أن يكون متميزاً
(١) قال ابن أبي شريف: اعلم أن القول الأخير - وهو القول بأنه معين عند الله وهو ما يختاره المكلف - يسمى قول التراجُم؛ لما في المحصول من أنه قول ينسبه أصحابنا إلى المعتزلة وتنسبه المعتزلة إلى أصحابنا، واتفق الفريقان على فساده. قال والد المصنف - يعني التقي السبكي - فيما كتبه على منهاج الأصول: وعندي أنه لم يقل به قائل. وفيه نظر؛ فإن ابن القطان مع جلالة قدره قد حكاه عن بعض الأصوليين، فكيف ينكر ذلك؟
هذا، وقد وهم المصنف في شرح المختصر فجعل قول التراجم هو القول بأن الواجب معين عند الله، فإن فعل غيره سقط واجبيته.
(٢) فيجب أن يكون معيناً عند الله.
(٣) أما الأول فلأنه تكليف بما لم يعلم، وأما الثاني فلأن الوجوب إذا توقف على الفعل لزم أن لا يكون قبل الفعل وجوب، فلا يذم على ترك التكفير. والجواب ما عرفت من جري القولين كليهما على مذهبي التخطئة والتصويب، فالعذر العذر، ولا وجه للحكم بالبطلان. (جلال على الفصول).
(٤) قوله: «لكونه واجباً على جهة البدل» أي: عندنا «أو لكونه أحدها ... إلخ» عند الإشاعرة، وهذا - أعني لكونه أحدها ... إلخ - جواب لهم على الأول من الأخيرين؛ لأنهم قالوا: واحد مبهم لا بخصوصه.
(٥) هذا الجواب للمحلي في شرح الجمع.