[الأحكام التكليفية]
= وتحقيق ما ذكره في الجواهر من الرد على السعد يحتاج إلى استيفاء ليعرف المقصود. وبيانه: أن صاحب الجواهر ذكر أن لفظ الأمر عند علماء هذا الفن يطلق على الأمر المطلق، وهو المجرد عن قرائن الوجوب والندب والإباحة، وهو الأمر بشرط عدم القرائن مطلقاً، وقد يطلق على مطلق الأمر، وهو الأمر لا بشرط القرائن وعدمها، وقد يطلق على صيغة الأمر، وهي (افعل) وما هو في معناها، والأمر بالمعنى الأول أخص مطلقاً من الأمر بالمعنى الثاني، وكلٌّ منهما أخص منه بالمعنى الثالث[١]. ثم قال: من الواجب أن تعلم أن الأمر الذي اختلف العلماء في أنه حقيقة في الوجوب فقط أو في الندب فقط أو في القدر المشترك بين الوجوب والندب هو الأمر بالمعنى الأول، أي: الأمر المطلق المجرد عن قرائن الوجوب والندب والإباحة، دون الأمر بالمعنى الثاني والثالث، ومختار ابن الحاجب أنه حقيقة في الوجوب فقط. وأما مطلق الأمر - وهو الأمر بالمعنى الثاني - فلا شبهة في أنه حقيقة في طلب وجود الفعل مطلقاً سواء كان مع منع النقيض[٢] أو لم يكن عند المحققين من علماء هذا الفن، وهو المراد بكون الأمر منقسماً[٣] إلى إيجاب وندب فقط. ثم قال: إذا عرفت ذلك فنقول: لا خفاء في أن ابن الحاجب لم يرد بقوله: «المندوب مأمور به» أن المندوب مأمور به بالمعنى الأول؛ لأن المأمور به بالمعنى الأول واجب عنده، والمندوب يضاده، ومن البين امتناع حمل أحد المتضادين على الآخر، وكذا لم يرد به المأمور به بالمعنى الثالث؛ إذ لا نزاع لأحد في أن المندوب تتعلق به صيغة الأمر حقيقة كانت أو مجازاً، بل إنما أراد به كونه مأموراً به بالمعنى الثاني، وهو طلب وجود الفعل مطلقاً؛ لأن نفى إطلاق المأمور به على المباح يقابله إثباته للمندوب، فيجب أن يراد بالمأمور به معنى ثابتاً للمندوب منفياً عن المباح، وذلك لا يتصور إلا في المأمور به بالمعنى الثاني؛ لظهور أن الأول يمتنع إثباته للمندوب للتضاد بينهما، والثالث يمتنع نفيه عن المباح[٤]، هذا حاصل كلامه. فإن قيل: إن المؤلف # فيما يأتي في أول باب الأمر ذكر أن لفظ الأمر أعني (أ م ر) حقيقة في القول الإنشائي الدال على طلب الفعل استعلاء من غير ذكر قيد التحتم. واعترض على من زاد قيد التحتم كصاحب الفصول بأن قيد التحتم إنما يحتاج إليه في مسمى الأمر، أعني الصيغة، لا في لفظ الأمر، فهما مسألتان، فكلام المؤلف في باب الأمر مشعر بصحة أن المندوب مأمور به لعدم ذكره قيد التحتم في حقيقة لفظ الأمر، فكيف يصح تزييفه هنا لدليل الإثبات[٥]؟ وكيف يصح قوله هنا: إن الخلاف هاهنا مبني على أن الخلاف في كون الأمر حقيقة في الوجوب؟ قلنا: هذا لازم للمؤلف #، ولعله بنى ما سيأتي على ما ذكره في الجواهر من أنهما مسألتان، وأما السعد فكلامه متحد في أن الخلاف في مدلول (أم ر) ومدلول الصيغة واحد، فإذا قيل: =
[١] هكذا في المطبوع، ولفظ الجواهر: وكل منهما أخص مطلقاً من الأمر بالمعنى الثالث.
[٢] كالواجب؛ لأن نقيضه الترك مثلاً، وقوله: أو لم يكن كالمندوب. اهـ ح.
[٣] وكذا الطاعة قد تطلق على فعل المأمور به بحيث يكون تركه معصية، وقد تطلق على ما يتوقع[٠] الثواب في فعله مطلقاً سواء كان تركه معصية أم لا، فالطاعة بالمعنى الأول أخص مطلقاً من الطاعة بالمعنى الثاني، ومرادف للواجب، وهو المأمور به بالمعنى الأول، وأخص مطلقاً من المأمور به بالمعنى الثاني والثالث، والطاعة بالمعنى الثاني أعم مطلقاً من المأمور به بالمعنى الأول، وأخص مطلقاً من المأمور به بالمعنى الثاني والثالث. (جواهر ح).
[٠] في المطبوع: يتوقف، والمثبت من الجواهر.
[٤] وكذا أراد بالطاعة في قوله: «المندوب طاعة إجماعاً» الطاعة بالمعنى الثاني دون المعنى الأول؛ إذ الطاعة بالمعنى الأول هي الواجب، ويمتنع حمل الواجب على المندوب إجماعاً، فوجب أن يراد بالطاعة المعنى الثاني، وقد سبق أن الطاعة بالمعنى الثاني أخص مطلقاً من المأمور به بالمعنى الثاني، فوجب حمل المأمور به على الطاعة بالمعنى الثاني، وقد علمت أن الطاعة بالمعنى الثاني يجب أن تكون محمولاً على المندوب، والمحمول على المحمول محمول، فيجب أن يكون المأمور به محمولاً على المندوب قطعاً[٠]، وهو المطلوب، فعلى هذا تندفع جميع الاعتراضات المذكورة في هذا المقام فتأمل. (جواهر ح).
[٠] في المطبوع: مطلقاً، والمثبت من الجواهر.
[٥] لعل تزييفه لدليل الإثبات كونه مأموراً به حتماً، فكلام المؤلف هنا وفيما سيأتي متحد في كون المندوب مأموراً به فتأمل، والله أعلم. (ح. قال: اهـ شيخنا المغربي عافاه الله).