فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  صدقت عليه من الأفراد، وهو قول كثير من العلماء كما يجيء إن شاء الله تعالى، ولا شك في اختلاف الماهيتين، وحينئذ لا يتحد المتعلقان، ووجودهما في جزئي لا يستلزم اتحادهما؛ لجواز تركبه(١) من متعدد.
  أو يحمل على أنه يريد أن الخروج يسمى عصياناً وإن لم يسم فاعله عاصياً، كما يقوله جمهور المعتزلة فيمن رمى نبياً ثم تاب قبل إصابة النبي: إن فعله يسمى كفراً ولا يسمى كافراً. والعبارة التي نقلناها عنه لا تناسب هذا الاحتمال، لكنها غير مجزوم بها؛ لعدم وجدانها في كتب أصحابه المعتزلة، والله أعلم(٢).
(قوله): «لا يستلزم اتحادهما» أي: الماهيتين، هذا مؤيد لما سبق نقله في الصلاة في الدار المغصوبة من الفرق بين اتحاد المتعلق واجتماع الإيجاب والتحريم في الواحد بالشخص له جهتان فتذكر[١].
(قوله): «يسمى عصياناً وإن لم يسم فاعله عاصياً» يرد عليه أنه لم يتخلص بهذا عن لزوم المحال.
(قوله): «لا يناسب هذا الاحتمال» الظاهر أنه أراد الاحتمال الآخر، وذلك أن قول أبي هاشم في المنقول عنه: فلا يمكنه أن لا يكون عاصياً بل هو عاص، وقوله: لا يمكنه أن يخرج عنه - أي: عن الذم - مصرح بتسمية فاعل الخروج عاصياً. وقد عرفت أن قول أبي هاشم لا يلائم الاحتمال الذي قبله أيضاً.
(قوله): «لكنها» أي: العبارة التي نقلناها عنه «غير مجزوم بها لعدم وجدانها ... إلخ» فيكون هذا التأويل مبنياً على عدم صحتها.
(١) أي: الجزئي.
(٢) قيل[٢]: واعلم أن مطلق الخروج - أي: غير مقيد بتقدم الدخول - لا شك في قبحه؛ إذ المرء منهي عن التصرف في أرض الغير مطلقاً، ولأنه لو أبيح له مطلق الخروج لأبيح له الدخول؛ لأنه لا يصح وجوده من دونه، وأما الخروج المقيد بسبق الدخول فهو مباح، بل واجب، وكأنه قيل له: إذا دخلت فقد وجب عليك الخروج؛ إذ لو وجب عليه الخروج مطلقاً لكان قد وجب عليه الدخول، وبعد إمعان النظر فيما حققناه يعرف دقة ما ذهب إليه أبو هاشم وأنه متفق عليه بعد التلخيص.
(*) قال الجويني: وقد أكثر الأصوليون الكلام في تخطئته، والرجل ممن لا يقعقع خلفه بالشنان.
[١] يقال: هناك على تحقيق المؤلف لم يكن مطلق ماهيتين حتى يختلف المتعلق كما هنا، فلا يتصور في الصلاة الشخصية إلا اتحاده، والله أعلم. (حسن بن يحيى عن خط السياغي).
[٢] في مخطوطة: قال النجري.