هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الأحكام التكليفية]

صفحة 650 - الجزء 1

  المباح وجزء حقيقة الواجب؛ لاختصاصه بالقيد الزائد، ولا معنى للجنس إلا ذلك.

  (قلنا): لا نسلم أن ذلك تمام حقيقة المباح، بل ذلك جنسه أيضاً كالواجب، (و) اختص (المباح) بفصل يميزه عن الواجب وغيره كاختصاص الواجب، وهو أنه مأذون في تركه من غير ترجيح لأحد الطرفين.

  وقد تأول بعضهم هذا القول بأنه أريد بالمباح ما يشمل الواجب والمندوب والمكروه والمباح، فهو مرادف للجائز بأحد معانيه التي تقدمت⁣(⁣١)، وحينئذ يعود الخلاف لفظياً؛ لأن من فسر المباح بما خير في فعله وتركه من غير ترجيح منع جنسيته، ومن فسره بما أذن فيه جعله جنساً للواجب والمندوب والمكروه والمباح بالمعنى الأول أيضاً؛ لاشتراك الكل في الإذن واختصاص كل منها بقيد مميز.

  ويتفرع من هذا الخلاف خلاف فيما إذا نسخ الوجوب⁣(⁣٢) هل يبقى


(قوله): «لاختصاصه بالقيد الزائد» وهو المنع من الترك.

(قوله): «والمباح بالمعنى الأول» وهو ما خير في فعله وتركه من غير ترجيح، فيكون المباح بهذا المعنى جنساً للمباح بالمعنى الأول.

(قوله): «ويتفرع من هذا ... إلخ» ينظر في صحة تفرع⁣[⁣١] مسألة هل يبقى الجواز بعد نسخ الوجوب على الخلاف في كون المباح جنساً للواجب؛ فإنه لا ارتباط لتلك المسألة بكون المباح جنساً للواجب أو غير جنس؛ إذ المراد بالجواز في تلك المسألة هو بالمعنى الأعم لا بمعنى الإباحة، مع أنه لو كان الجواز فيها بمعنى الإباحة بناء على أن المراد بالإباحة مطلق الجواز أي ما أذن الشارع فيه لكان القول بكون المباح جنساً للواجب ربما ينافي القول ببقاء الجواز =


(١) وهو ما لا يمتنع من جهة الشرع، والله أعلم.

(٢) وصورة المسألة أن يقول الشارع: نسخت الوجوب أو حرمة الترك أو رفعت ذلك، فأما إذا نسخ الوجوب بالتحريم أو قال: رفعت جميع ما دل عليه الأمر السابق من جواز الفعل ومنع الترك فيثبت التحريم قطعاً. (من شرح الإسنوي على المنهاج).


[١] قال سيدي إسماعيل بن محمد بن إسحاق | دافعاً لكلام المحشي ما لفظه: وقد استشكل القاضي العلامة سيلان في حاشيته تفريع الخلاف على ذلك، وقال: إن المانعين لبقاء الجواز استدلوا على أن الجواز جنس ويرتفع بارتفاع فصله، وأن هذا الاستدلال يفيد أن ارتفاع الفصل مانع عن بقاء الجنس فلا يصح التفريع المذكور. هذا حاصل كلامه، وهو عجيب، فقد عرفت أن القائل ببقاء الجواز بعد النسخ لا يسلم ارتفاع الجنس الذي وقع الاشتراك فيه بارتفاع فصل الواجب، ولا أن الفصل علة للجنس، بل غاية الأمر أن يكون علة ناقصة كما هو مقرر في محله، ولا يلزم من ارتفاعها ارتفاع الجنس، ولو كان ملاحظة كلام الخصم على انفراده مما يرتفع به الخلاف كما يقتضيه كلام المحشي | لما تحقق خلاف في مسألة البتة. (ح).