هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في بيان المحكوم عليه وأحكامه

صفحة 729 - الجزء 1

  عرفت⁣(⁣١)، فَتَوَجُّهُ المنع على الملازمة ظاهرٌ؛ لجواز أن يعدم لانتفاء شرط مقدور له.

  وما ذكر في بيانها⁣(⁣٢) غير صحيح، أما قولهم باستحالة تخلف المراد عن إرادته تعالى فإنما هي في غير أفعال العباد المتوقفة على اختيارهم، وأما ما أراده تعالى منها كالطاعات فلم يرد إيقاعها على الإطلاق، بل أراد إيقاعها باختيارهم، فإذا انتفى اختيار المكلف للفعل لم تنتف إرادته تعالى لصدوره منه، وسيجيء لما ذكرناه زيادة إيضاح⁣(⁣٣) وتحقيق إن شاء الله تعالى.

  وأما قولهم في إرادة العبد فقد وضح لك ضعفه مما حققناه⁣(⁣٤).


= وبترك شرطه المقدور، بخلاف غير المقدور فإنه لا تكليف بالفعل المتروك؛ لأنه انكشف عدم شرطه الذي ليس بمقدور.

وهذا الكلام مقتضاه أن الجواب مبني على الفرق بين الشرط المقدور وغير المقدور، وأن المراد بالشرط في هذه المسألة هو الشرط الذي ليس بمقدور، لكن قوله بعد ذلك: وما ذكر في بيانها - أي: الملازمة - غير صحيح ... إلخ صريح في أن الجواب مبني على التعميم، أعني من غير فرق بين الشرط المقدور وغيره؛ لأن المؤلف # دفع الملازمة في غير المقدور بقوله: أما قولهم باستحالة تخلف المراد عن إرادته تعالى ... إلخ، وفي المقدور بقوله: وأما قولهم في إرادة العبد ... إلخ. إذا عرفت ذلك فكان الأوضح⁣[⁣١] في بيان المقصود أن يقال: وجواب الأول ظاهر، وهو منع الملازمة، وما ذكر في بيانها غير صحيح: أما قولهم باستحالة تخلف المراد ... إلخ، وأما قولهم في إرادة العبد ... إلخ فتأمل، والله أعلم.

(قوله): «لجواز أن يعدم» أي: الفعل المكلف به.

(قوله): «لانتفاء شرط مقدور له» أي: للمكلف، فيحصل العصيان فتنتفي الملازمة.

(قوله): «لصدوره» معمول لإرادته، أي: إرادته صدور الفعل، فاللام للتقوية لا للتعليل.

(قوله): «وسيجيء إن شاء الله تعالى لما ذكرنا زيادة إيضاح» هو ما ذكره المؤلف # في أول باب الأمر عند الكلام على [أن] المؤثر في كون الأمر أمراً هو إرادة المأمور به، فارجع إليه.

ولو قال المؤلف: لصدور الفعل منه باختياره لكان أظهر في دفع الاستحالة وناسب قوله: المتوقفة على اختيارهم، وقوله: بل أراد إيقاعها باختيارهم، وكان هو المناسب أيضاً لما سيأتي في الأمر إن شاء الله تعالى.

(قوله): «وأما قولهم في إرادة العبد» لم يذكر مقول قولهم لسبق العلم به.

(قوله): «فقد وضح لك ضعفه ... إلخ» وذلك لأن إرادة العبد من الشرط المقدور للمكلف، فيعصي حينئذ بتركها وترك الفعل، فيتوجه منع الملازمة كما عرفت.


(١) في مقدمة الواجب.

(٢) من أن المراد بالشرط ما خرج عن مقدور المكلف، وإرادة المكلف داخلة في مقدوره.

(٣) في أول باب الأمر.

(٤) يريد قوله: وجواب الأول ظاهر ... إلى قوله: مقدور له.


[١] كلام المؤلف واضح لا غبار عليه فتأمل. (ح عن خط شيخه).