هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الكلام في عدم تعارض الفعلين وفي تعارض الفعل والقول]

صفحة 58 - الجزء 2

  وإن تناقضت كصوم في يوم معين وأكل في آخر مثله فلا تعارض أيضاً؛ لجواز كون الفعل واجباً في وقت وجائزاً في آخر، مع أنه لا يكون رافعاً ولا مبطلاً حكم الآخر؛ إذ لا عموم للفعلين ولا لأحدهما، اللهم إلا أن يدل دليل⁣(⁣١) على أن ما فعله يجب تكرره عليه في مثل ذلك الوقت أو على الأمة فإنه إذا ترك الفعل أو ترك الإنكار على تاركه من غير عذر كان تركه دليلاً على نسخ حكم دليل التكرار أو تخصيصه بشروطهما، لا نسخ حكم فعل الرسول ÷(⁣٢) ولا تخصيصه؛ لعدمِ اقتضائه التكرار، واستحالةِ رفع حكم قد وجد.

  نعم، قد يطلق النسخ والتخصيص على فعله ÷(⁣٣) إذا زال التعبد بمثله


(قوله): «أو على الأمة» يعني بشرط قيام الدليل على وجوب التأسي به كما صرح به في شرح المختصر، وإلا لم يتحقق التعارض في حقهم، وكأن المؤلف أغفله لظهور إرادته.

(قوله): «أو تخصيصه بشروطهما» أي: النسخ والتخصيص، أما النسخ فبأن يتراخى قدر ما يمكن الفعل ونحو ذلك. وأما التخصيص فبأن لا يتراخى وغير ذلك مما يشترط في صحة التخصيص. ولم يذكر التخصيص في شرح المختصر، ولا بد من ذكره كما فعله المؤلف #.

قال السعد: كما إذا دل الدليل على عموم تكرير الصوم مثلاً ثم أفطر فإنه يكون تخصيصاً له لا نسخاً⁣[⁣١].

(قوله): «لا نسخ حكم فعل الرسول ÷ ... إلخ» أما بالنظر إلى الاستقبال فلان الفعل لا يقتضي التكرار، فلا حكم حتى يرفع. وأما بالنظر إلى ما مضى فلأن رفع ما قد وجد محال، فيتعين أن يكون ناسخاً لحكم الدليل الدال على وجوب التكرار أو مخصصاً.

(قوله): «نعم قد يطلق النسخ والتخصيص» أراد أنه قد يطلق على الفعل كونه منسوخاً ومخصوصاً مجازاً، لا كونه ناسخاً ومخصصاً بكسر الصاد فالإطلاق على الفعل حقيقة كما ذكره السعد؛ إذ الفعل دليل شرعي قد يرفع حكماً شرعياً، وقد يفيد قصر العام على البعض كما سيجيء إن شاء الله تعالى.

وأما صاحب الجواهر فجعل إطلاق النسخ والتخصيص على الفعل مجازاً سواء كان باعتبار كونه ناسخاً ومخصصاً أو باعتبار كونه منسوخاً ومخصوصاً؛ لأن المراد بكون الدليل ناسخاً ومخصصاً كونه ناسخاً ومخصصاً بالذات. قال: كما صرح به شارح المختصر في باب النسخ، وساعده السعد حيث قال: والنسخ بالحقيقة هو قول الله تعالى الدال بالذات على انتهاء الحكم، وقول العدل وفعل الرسول إنما يدلان بالذات على ذلك القول لا على الانتهاء، فهما دليلا النسخ الدال بالذات، والمراد إنما هو ما دل بالذات.


(١) من خارج. (سبكي).

(٢) أي: لا يكون الفعل الثاني ناسخاً لحكم الفعل الأول، أما بالنظر ... إلخ ما في سيلان.

(٣) ذكر معناه العضد والسعد، قال السعد: فإن قيل: إن أراد كونه - أي: الفعل - ناسخاً أو مخصصاً فلا مجاز؛ لأنه دليل شرعي قد يرفع حكماً شرعياً، وقد يفيد قصر العام على البعض كما سيجيء، وإن أراد كونه منسوخاً أو مخصصاً فلا إطلاق على نفس الفعل، بل على حكم الدليل الدال على تكرره. قلنا: سيجيء في مواضع أن المتأخر من القول أو الفعل ناسخ للآخر وإن كان المراد ما ذكرتم، فلا يبعد إطلاق التخصيص أيضاً بهذا الاعتبار.


[١] في المطبوع: لا ناسخاً. والمثبت من نسخة وحاشية السعد.