هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

المقدمة

صفحة 85 - الجزء 1

  في نظره أيضاً.

  واعلم أن كل حكمة ومصلحة تترتب على فعل تسمى من حيث إنها على طرفه غاية، ومن حيث ترتبها عليه فائدة.

  وأما الغرض فهو ما لأجله إقدام الفاعل على فعله، ويسمى علة غائية له⁣(⁣١). وقد تخالف الفائدة الغرض، كما إذا أخطأ في اعتقادها.

  وأما الموضوع فلأن تمايزَ العلوم في أنفسها وبالنظر إلى ذواتها تمايزاً اعتبره القوم بالفعل بِحَسبِ تمايز الموضوعات، فإن علم الفقه مثلاً إنما امتاز عن علم أصول الفقه لأنه علم يبحث فيه عن أفعال المكلفين من حيث إنها تحل وتحرم وتصح وتفسد، وعلم أصول الفقه باحث عن أدلة الأحكام الشرعية من حيث إنها تستنبط عنها، فلو لم يعلم الشارع في العلم أن موضوعه أي شيء هو لم يتميز العلم⁣(⁣٢) المطلوب عنده زيادة تمييز، ولم يكن له في طلبه زيادة بصيرة.


(قوله): «كما إذا أخطأ في اعتقادها» كأن يعتقد الطالب أن فائدة علم النحو الاحتراز عن الخطأ في الفكر.

(قوله): «وبالنظر إلى ذواتها» فائدة هذا القيد إخراج تمايز العلوم بالغايات والأغراض، فإن العلوم تتمايز بحسب تمايز غاياتها لكن ليس هذا التمايز بحسب ذواتها، فإن الغرض من العلم ليس جزءاً منه بل خارج عنه.

(قوله): «تمايزاً اعتبره القوم بالفعل» هذا القيد لإخراج⁣[⁣١] تمايزها بحسب المحمول، بأن يكون طائفة من الأحوال والمحمولات راجعة إلى أمر كالإعراب مثلاً، وطائفة أخرى إلى أمر آخر كالبناء، فإن العلوم التي اختلف محمول مسائلها يصدق عليها أنها تمايزت بالنظر إلى ذواتها؛ لأن محمولات مسائل العلوم من أجزاء العلوم كما أن الموضوعات من أجزائها، وقد صرحوا بذلك في علم المنطق في بيان أجزاء العلوم، لكن الذي اعتبره القوم بالفعل في تمايز العلوم هو الموضوع. ومعنى اعتباره بالفعل أنهم جعلوه وجهاً لإفراد كل من العلوم بالاسم والتدوين كالنحو وأصول الفقه وغير ذلك، لا المحمولات فلم يعتبروها في تمايز العلوم، فلم يجعلوها سبباً للتسمية والتدوين.

بيان ذلك: أنهم لو اعتبروها لجعلوا مسائل المعربات من علم النحو فناً وأفردوه بالتدوين والتسمية، وجعلوا المبنيات فناً آخر مفرداً بالتدوين والتعليم والتسمية، وقس على ذلك. ووجه عدم اعتبار المحمولات أنها صفات مطلوبة لذوات الموضوعات، فجعلوها مدار الوحدة والتعدد لأنها هي المقصودة⁣[⁣٢].


(١) والغرض والعلة الغائية يختلفان اعتباراً أيضاً، فإن الغرض بالقياس إلى الفاعل، والعلة الغائية بالقياس إلى الفعل، فإن التأديب علة غائية للفعل وغرض للفاعل. (سعد).

(٢) (العلم) ساقط من المطبوع.


[١] قوله: «هذا القيد لإخراج ... إلخ»: يعني أنفسها وبالنظر إلى ذواتها كما هو مفسر في بعض الحواشي، فعطف قوله: وبالنظر على قوله: وفي أنفسها عطف تفسيري. (ح).

[٢] قوله: «لأنها هي المقصودة» ولو بالحيثية، كالنحو والصرف فإن موضوعهما الكلمة واختلافهما من جهة الحيثية، فإن البحث عنها في علم النحو من حيث الإعراب والبحث في الصرف من حيث جوهرها. (ح).