هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

المقدمة

صفحة 84 - الجزء 1

  من تصور علماً برسمه فقد عرف خاصته⁣(⁣١) وعلم أن كل مسألة منه لها مدخل في تلك الخاصة، وبذلك يقدر إذا ورد عليه مسألة معينة منه أن يعلم أنها منه قدرة تامة، فكأنه قد علم ذلك.

  وأما الغاية فلأن من حق كل طالب لعلم أن يجزم بفائدته المترتبة عليه المقصودة منه أو يظنها؛ إذ لو لم يصدق بفائدة فيه استحال إقدامه عليه، وإن اعتقد ما لا يعتد به مما يترتب عليه عد كده عبثاً في نظره، وإن اعتقد باطلاً فربما زال أثناء سعيه فكان عبثاً


(قوله): «فقد عرف خاصته» كالإيصال إلى الاستنباط في أصول الفقه.

(قوله): «وعلم أن لكل مسألة منه لها مدخل في تلك الخاصة» هذا في الرسم بناء على أنه بخاصة شاملة⁣[⁣١].

(قوله): «وبذلك يقدر إذا ورد عليه مسألة ... إلخ» فإن من تصور النحو بأنه علم بأصول تعرف به أحوال أواخر الكلم من حيث الإعراب والبناء حصل عنده مقدمة كلية هي أن كل مسألة من مسائل النحو لها مدخل في تلك المعرفة، فإذا ورد عليه مسألة معينة تمكن من أن يعلم أنها من النحو بأن يقول: هذه مسألة لها مدخل في معرفة إعراب الكلم وبنائها، وكل مسألة كذلك فهي من النحو، فهذه المسألة منه. هكذا ذكره السيد.

(قوله): «إذ لو لم يصدق بفائدة فيه استحال إقدامه عليه» هكذا في حواشي شرح المختصر للشريف، ولعل المراد استحال ذلك في حكم العادة، فإن من أقدم على محض العبث ككيل التراب ووزن الحجارة عد غير عاقل، فيستحيل في العادة إقدام العاقل عليه.

وقال بعضهم: الشروع في الأفعال الاختيارية لا يتأتى إلا بإرادة متعلقة بخصوصية المطلوب موقوفة على علم تصوره، فلو لم يتصور المشروع فيه أصلاً أو لم يعتقد له فائدة ما امتنع الشروع فيه ضرورة.

(قوله): «مما يترتب عليه» لعل هذا حال من «ما لا يعتد به⁣[⁣٢]» يعني اعتقد ما لا يعتد به حال كونه مما يترتب عليه، كأن يشتغل بعلم النحو لمجرد معرفة إعراب بيت واحد من أشعار العرب فإن ذلك وإن ترتب على علم النحو فإنه لا يعتد به بالنظر إلى تعلم النحو، ونحو ذلك.

(قوله): «عد كده عبثاً في نظره» عبارة الشريف عد كده عبثاً عرفاً، وهي أولى؛ فإن الطالب لمعرفة ما ذكرنا من علم النحو مثلاً إنما يعد فعله عبثاً عرفاً لا بحسب نظره، وذلك ظاهر، ولا بحسب نفس الأمر؛ فإنه بمعرفة علم النحو قد حصلت له الفائدة المقصودة من طلبه في نظره وكذا حصلت له الفائدة المعتد بها من علم النحو المترتبة عليه في نفس الأمر وإن لم يتعلم علم النحو لأجلها، فلا عبث بحسب نفس الأمر.

(قوله): «وإن اعتقد ... إلخ» عطف على معنى قوله: إذ لو لم يصدق، فيكون التقدير لأنه لو لم يصدق ولأنه إن اعتقد، وهو علة لقوله: المقصودة منه لا لقوله: مما يترتب عليه؛ لأن ما لا يعتد به قد ترتب على علم النحو لكنه ليس بمقصود منه، وقوله: وإن اعتقد باطلاً علة لقوله: المترتبة عليه، ففي الكلام لف ونشر غير مرتب، ولو رتب لكان أظهر.

(قوله): «وإن اعتقد باطلاً ... إلخ» كأن يشتغل بعلم النحو لأجل الاحتراز عن الخطأ في الفكر الذي هو فائدة علم المنطق.

(قوله): «فربما زال ... إلخ» أي: الاعتقاد الباطل أثناء سعيه، هكذا ذكره الشريف، وإنما زاد المؤلف كونه عبثاً في نظره لأن ما اعتقده باطلاً عبث عرفاً زال اعتقاده أو لم يزل، وأما في نظره فإنما يكون عبثاً فيه إذا زال الاعتقاد.


[١] قوله: «بناء على أنه بخاصة شاملة» الرسم لا يكون إلا بالخاصة الشاملة فتأمل، والله أعلم. (ح. قال: من خط شيخه المغربي).

[٢] قوله: «لعل هذا حال من «ما لا يعتد به» يتأمل فالظاهر أنه المفعول الثاني لاعتقد، والله أعلم. كاتبه (ح).