[الكلام في الإجماع السكوتي]
  فعدم الإنكار لا يدل على الموافقة قطعاً، وبه قال الأكثرون؛ لأنه يجوز أن لا يكون لهم فيه قول أو لهم قول مخالف لم ينقل، وقيل: هو إجماع(١)، وقيل: حجة(٢)، وقال الرازي وابن الملاحمي: إن عمت به البلوى فحجة، وإلا فلا.
  وإن انتشر فعرف به الباقون ولم ينكره أحد منهم: فإن علم قطعاً أن سكوتهم عن رضا فإجماع، وإن لم يعلم فإن كان مما لا تكليف فيه علينا كالقول بأن عماراً أفضل من حذيفة فلا إجماع(٣) ولا حجة، وإن كان مما فيه تكليف: فإن كان قطعياً(٤) وكان
(قوله): «وقيل: هو إجماع، وقيل: حجة» حكى هذين القولين في الفصول ولم ينسبهما إلى أحد، قال في شرحه: قالوا: الظاهر وصوله إليهم. قلنا: لا نسلم؛ لأن الفرض عدم الانتشار، فالظاهر عدم وصوله إليهم.
(قوله): «وقال الرازي وابن الملاحمي: إن عمت به البلوى» يعني يقع فيه الناس كثيراً كنقض الوضوء من مس الذكر، وحجتهما أنه لا بد من خوض غير القائلين فيه، ويكون بالموافقة؛ لانتفاء ظهور المخالفة، بخلاف ما لا تعم به البلوى فلا يكون حجة فيه. وظاهر السياق أن خلافهما ثابت وإن لم يتحقق علم الباقين.
(قوله): «فإن علم قطعاً أن سكوتهم عن رضاً» قال في شرح الفصول: بحيث يعلم أنهم لو أفتوا لما أفتوا إلا به، وذلك بأن ينتشر وتنتفي التقية وتكون المسألة مما الحق فيها مع واحد. وفي شرح المختصر: إذا كثر وكان فيما تعم به البلوى ربما أفاد القطع. ويرد على ما في شرح الفصول من قوله: «وتكون المسألة مما الحق فيها مع واحد» أن المخالف في مثل ذلك قد يكون معذوراً وإن كانت المسألة قطعية، كبعض مسائل الفروع، وككثير من مسائل هذا الفن القطعية، كمنكر كون الإجماع حجة، ومنكر كون القياس حجة، فإنه لا يفسق منكر حجتهما وإن قطع بخطئه كما صرح به في الفصول؛ إذ لا دليل على التفسيق، وحينئذ فلا يدل سكوتهم على العلم برضاهم؛ لعدم وجوب الإنكار على القائل بذلك. إذا عرفت ذلك فالمؤلف # أطلق قوله: فإن علم قطعاً أن سكوتهم عن رضاً فلم يقيده بأن وجهه كون المسألة مما الحق فيها مع واحد أو غير ذلك، وقد أطلق ذلك أيضاً السعد حيث قال: فإن علمت موافقة الساكتين كان إجماعاً، وإلا كان حجة. فمع هذا الإطلاق يحمل الكلام على ما يفيد العلم بأن سكوتهم عن رضاً كالاطلاع على أحوال للساكتين تفيد العلم، وككون المخالف في المسألة فاسقاً يجب إنكار قوله؛ ولذا صرح الإمام المهدي # بالتأثيم فقال: والمخالف مخطٍ آثم. ولعله أراد فاسق.
(قوله): «فإن كان قطعياً وكان لسكوتهم محمل غير الرضا فكذلك» أي: لا إجماع ولا حجة، ولم يذكر المؤلف # المقابل لهذا، وقد ذكره في الفصول حيث قال: وإن لم يكن له محمل فإجماع، قال في شرحه: كالقياس حيث عمل به بعض وسكت الباقون. انتهاولعل الوجه في عدم ذكره ما عرفت من أن كونه قطعياً لا يفيد العلم بأن سكوتهم عن رضاً - إذ قد يكون المخالف معذوراً فلا يدل السكوت على العلم ولا على أنه لا محمل للسكوت غير الرضا - إلا بما عرفت من الاطلاع على أحوال الساكتين، فالمؤلف # قد استغنى عن ذكر المقابل لشمول قوله سابقاً[١]: فإن علم قطعاً أن سكوتهم عن رضا فإجماع فتأمل. واعلم أن المؤلف # لم يقيد ما ذكر هاهنا بكونه قبل تقرر المذهب، وإنما قيد بذلك فيما كان اجتهادياً كما يأتي، والظاهر تقييد القطعي بذلك هاهنا أيضاً.
(١) قطعي.
(٢) أي: ظنية. قال المحلي: قيل: حجة؛ لعدم ظهور خلاف فيه.
(٣) أي: لا يكون قطعياً.
(٤) بمعنى أنه من أصول الدين التي لا يكفي فيها الظن. (جلال).
[١] تأمل في صحة هذا الكلام، فالسابق - وهو ما علم قطعاً - بخلاف هذا. (ح).