[الكلام في أن الدليل على عصمة الأمة يمنع ردتها]
  لما كان بارتدادهم كان متأخراً عن الارتداد بالذات، فعند أن حصل الارتداد(١) وحدث صدق عليهم الاسم حقيقة، فصدق الإسناد، فتناولتهم الأدلة.
  وأما انقسامهم فرقتين كل فرقة أخطأت في مسألة وأصابت في أخرى فالأصح جوازه؛ لأن المخطئ في كل واحدة من المسألتين بعض الأمة، والخطأ ممتنع على الكل دون البعض. ومنعه الأكثر من القدماء؛ لأن ذلك يوجب اجتماع الأمة على الخطأ.
  قلنا: المراد لا تجتمع على الخطأ في حكم واحد بحيث تخرج الأمة كلها عن الصواب في ذلك الحكم؛ إذ لو كان المراد ما ذكروه لكان تجويز الخطأ أي خطأ كان في كل واحد من أهل كل عصر ممتنعاً، والتالي باطل، أما الملازمة فلأن الأمة معصومة، وقد أثبتم(٢) للبعض حكم الكل، فيمتنع التجويز للعصمة، وأما
(قوله): «وأما انقسامهم فرقتين ... إلخ» قد ذكر هذه المسألة صاحب الفصول واختار الجواز كالمؤلف، وقد أشار إليها ابن الحاجب والمؤلف # في حجج المانعين لإحداث قول ثالث، حيث قال المؤلف #[١]: بأن يخطئ بعض في مسألة وبعض في أخرى فلا ... إلخ. ويصلح في مثالها المذبوح[٢] بلا تسمية كما سبق، ومثلها الدواري بما لو قال بعض الأمة: القرآن مخلوق والشفاعة لأهل الكبائر، وقال البعض الآخر: الشفاعة للمؤمنين والقرآن غير مخلوق، فليس ذلك اتفاقاً على الخطأ؛ إذ خطأ كل قول في غير ما أخطأ فيه القول الثاني، والمانع المخالف نظر إلى أنهم أخطأوا بالنسبة إلى مجموع المسألتين.
(قوله): «ومنعه الأكثر من القدماء» إذ المانع هاهنا هو المانع عن إحداث قول ثالث، وهم الأكثرون.
(قوله): «إذ لو كان المراد ما ذكروه» يعني من منع خطأ كل فرقة في مسألة غير ما أخطأت فيه الأخرى.
(قوله): «فيمتنع التجويز» أي: تجويز الخطأ في كل واحد.
(١) فرضاً.
(٢) وذلك لأنكم قلتم بوجوب اجتماع الأمة على الخطأ فيما أخطأ فيه بعض الأمة في حكم والبعض الآخر في حكم آخر، بحيث لزم البعض الأول اتصافه بكونه أخطأ فيما أخطأ فيه البعض الآخر، ولزم البعض الآخر اتصافه بالخطأ فيما أخطأ فيه البعض الأول، لما ثبت خطأ الكل في الجملة من حيث الحكمين المختلفين اللذين وقع خطأ كل فريق وحده فيه، ولولا اتصاف البعض بوصف الكل من تلك الحيثية لما كان فيه اجتماعهم على الخطأ، وحينئذ يظهر بطلان التالي، وهو امتناع التجويز، وذلك لتجويزنا في كل مجتهد في أي عصر الخطأ في بعض المسائل والإصابة في بعض، وإلا لزم عصمة كل مجتهد، وهو باطل بالاتفاق. وإنما قال: لا تنكره إلا الإمامية لأن الإمامية تقول بعصمة الإمام، فلا تقول بتجويز خطأ كل واحد من مجتهدي الأعصار، بل تقول: إن الإمام في كل عصر لا يخطئ. (من إملاء سيدنا حسن المغربي).
[١] وأما فيما لم يتفقوا عليه بأن ... إلخ، ولعله سقط من القلم. (سياغي).
[٢] لا يخفى أن الأولى ما مثل به الدواري؛ لأن الكلام من المؤلف في انقسامهم إلى فرقتين في مسألتين لا في مسألة واحدة، والله أعلم. (إسماعيل بن محمد بن إسحاق |. ح).