هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الكلام في الإجماع القطعي والظني]

صفحة 220 - الجزء 2

  اختلف في وجوب العمل به، والمختار الوجوب، وهو قول أئمتنا والجمهور، منهم الحنابلة ومعظم الشافعية وبعض الحنفية، وأنكره أبو عبدالله البصري وبعض الحنفية⁣(⁣١) والغزالي من الشافعية.

  لنا⁣(⁣٢): نقل الدليل الظني الدلالة مقبول فيه الآحاد فيجب العمل به اتفاقاً، فنقل الآحاد للدليل القطعي الدلالة أولى بأن يجب العمل به؛ لأن الأول ظني بحسب الأصل، فاحتمال الضرر في مخالفة المقطوع أكثر من احتماله في مخالفة المظنون⁣(⁣٣)، فإذا ثبت وجوب العمل بالمظنون فثبوته بالمقطوع أولى.

  واحتج أبو عبدالله البصري بأن ما يقع الإجماع عليه يجب أن يشيع نقله ويتواتر من جهة العادة⁣(⁣٤)، ورد بالمنع؛ لجواز أن يستغنى عن نقله بغيره⁣(⁣٥).


= القطعي الدلالة أولى، وهو كما في شرح المختصر، والتخصيص⁣[⁣١] بالقطعي هو الموافق لما سبق في أول الإجماع، لكن في تقرير المؤلف لاستدلال أبي عبدالله ما يشعر بالتعميم، وقد عرفت ما أسلفناه في هذا البحث، وخلاصته أن الخلاف في هذه المسألة المذكورة هنا خاص بالقطعي وفيما سبق عام؛ لأن المخالف هنالك هو النافي⁣[⁣٢] للإجماع رأساً، والله أعلم.

(قوله): «بأن ما يقع الإجماع عليه يجب أن يشيع نقله ... إلخ» هذا الاستدلال يقضي⁣[⁣٣] بأن المراد أن نفس الحكم المجمع عليه يجب أن يشيع، وليس كذلك؛ فإن المراد أن نفس الإجماع يبعد أن يطلع عليه الواحد دون غيره؛ لأنه أمر مشهور يتعلق بجمع كثير ليس كالأخبار. وما ذكره المؤلف # من الاستدلال لأبي عبدالله ذكره الإمام الحسن # والدواري حيث قال: العادة تقضي بنقل ما أجمع عليه من الأحكام نقلاً متواتراً لتعلق غرض الجميع به، ثم أجاب الدواري بأنا لا نسلم أن العادة تقضي بذلك. وأجاب الإمام الحسن # بأنا لا نسلم أن كل ما يتعلق به غرض الجميع لا يقبل إلا أن يحصل العلم به، كما أنه يقبل نقل الآحادي فيما عمت به البلوى عملاً كمس الذكر. وأما جواب المؤلف # فكما ترى، ولعله أراد بقوله: أن يستغنى عن نقله - أي: عن نقل الحكم المجمع عليه بالتواتر - بنقل غيره، أي: بنقل غير الإجماع تواتراً، ولا يخلو من تكلف.


(١) ظاهر استدلالهم أنهم أنكروا وقوعه.

(٢) قوله: لنا نقل الدليل ... إلخ، وفي العضد ما لفظه: ولنا أيضاً أنه # قال: «نحن نحكم بالظاهر ..» إلخ كلامه فخذه.

(٣) واحتمال الغلط لا يقدح في وجوب العمل كما في خبر الواحد.

(٤) وذلك لأنه أمر مشهور متعلق بخلق كثير فيقتضي التوفر على نقله، بخلاف خبر الآحاد.

(٥) كمستنده.


[١] في المطبوع: التخصيص.

[٢] في المطبوع: النفي.

[٣] ولعله يقال: إن [نقل] الحكم المجمع عليه نقل للإجماع؛ إذ هو لازم لذلك الحكم لزوم الجزء للكل؛ لأنه يبعد نقل نفس الإجماع مجرداً أو بتواتر، بل لا يتضح ذلك إلا مع الحكم فتأمل. (حسن يحيى).