هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الكلام في الإجماع القطعي والظني]

صفحة 221 - الجزء 2

  إذا عرفت ذلك فالقطعي لا يعارض؛ لأن مخالفه إما قطعي أو ظني، والكل ممتنع، وإلا لزم في القطعي أن يثبت مقتضاهما وهما نقيضان، والظن ينتفي بالقطع بالنقيض. وأما الإجماع الظني فتجوز معارضته، وحكمه (إذا عارضه نص) من الكتاب أو السنة حال كون الإجماع والنص (ظنيين فالجمع) واجب بين الدليلين إن أمكن، وذلك (بالتأويل⁣(⁣١)) حيث كان أحدهما قابلاً له بوجه ما، فيؤول القابل له من الإجماع والنص (أو التخصيص⁣(⁣٢)) حيث كان أحدهما قابلاً له (ثم) إن لم يمكن الجمع بأحد الأمرين وجب (الترجيح) بأي وجوهه


(قوله): «أن يثبت مقتضاهما ... إلخ» والنسخ للإجماع أو به متعذر. واختار في الفصول جواز تعارض الإجماع والدليل القطعيين، ويعتبر حينئذ الإجماع دون الدليل القاطع لا لأن الإجماع ناسخ، بل لأن الأمة لا تجمع على خلاف القاطع إلا وقد علموا نسخه؛ لعصمتهم عن جهل القطعي وعن مخالفته. واعترض بعض المحققين من شراح كلامه بأنه إنما يتمشى على أحد أمرين بعيدين: إما على جواز استناد الإجماع إلى ظني فيلزم نسخ القطعي بالظني، وإما على جواز خفاء المستند القطعي على من بعدهم، والقطعي مما لا يجوز عادة اختصاص عصر به دون عصر.

(قوله): «أو التخصيص» ظاهره سواء خصص بالإجماع أو خصص الإجماع، فالتخصيص به جائز كما يأتي، وأما تخصيصه فقد منعه في الفصول؛ لأن الإجماع إنما نشأ بعد موت النبي ÷، والتخصيص إنما هو في مدته. قلت: وكأن المؤلف # اعتمد ظاهر عبارة الحفيد حيث قال: خصصنا الأعم⁣[⁣١] بالأخص. فأطلق الكلام ولم يقيده، لكن قد أورد عليه الدواري أن الإجماع متأخر - إذ لا إجماع في أيام النبي ÷ - فكيف يخص بالخاص المتقدم مع أن الصحيح أن الخاص إذا كان متقدماً كان منسوخاً؟ ثم أجاب بأن كون الخاص المتقدم منسوخاً حيث يصح النسخ بالعام، والإجماع العام لا يصح النسخ به. قلت: فينبغي أن يحمل كلام المؤلف # على أن المراد التخصيص بالإجماع⁣[⁣٢].

(قوله): «حيث كان أحدهما قابلاً له» بأن لا يتراخى الخاص ونحو ذلك من شروط التخصيص كما يأتي إن شاء الله تعالى.


(١) كأن يجعل أحدهما حقيقة والآخر مجازاً، مثلاً الإجماع منعقد على أن الذهاب والمجيء على الله محال، وقد عارضه الكتاب، وهو قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ٢٢}⁣[الفجر]، فيحمل المجيء على المجاز بأن يقال: وجاء رحمة ربك أو نحوها. (بالمعنى وأكثر اللفظ من الإبهاج شرح المنهاج للشيرازي).

(٢) مثاله: الإجماع منعقد أن من لم يجن لم يغرم، فهذا الحكم قد عارضه نص وجوب الدية على العاقلة في قتل الخطأ مع أنه لم يصدر منهم جناية، فيخص الإجماع بغير العاقلة. (من الإبهاج).


[١] قال الدواري ما لفظه: قوله: «خصصنا الأعم بالأخص» اعلم أن الإجماع متأخر؛ إذ لا إجماع في أيام النبي ÷، فيقال: إنه قد يتقدم بعض الأخبار، وإذا كان كذلك وكان هو الخاص خص به، وإن كان هو العام فكذلك أيضاً. (سياغي).

[٢] وليس لذاته، بل لتضمنه المخصص، وهو مستند الإجماع كما سيأتي، فلا يشكل شرط عدم التراخي، ذكر معناه الحبشي.