خاتمة
خاتمة
  الحكم(١) المجمع عليه إن كان قطعياً فجاحده لا يكفر إن لم يكن مما علم من الدين
(قوله): «إن كان قطعياً» يحتمل أنه كان قطعياً لكون الإجماع المثبت له قطعياً، ويحتمل أن الحكم من حيث هو قطعي لكونه من الأحكام التي لا يكفي فيها الظن، ولعل الاحتمال الأول أظهر فتأمل. وأما إنكار حكم الإجماع الظني فليس بكفر إجماعاً، كذا في شرح المختصر. قلت: ولا فسق أيضاً؛ ولهذا قال في حواشي الفصول: الذي يفسق مخالفه من الإجماع إنما هو القطعي، فأما الظني فتجوز مخالفته لأرجح منه؛ لجواز مخالفة الأمارة الظنية لمرجح وإن كانت من الكتاب أو السنة.
(قوله): «فجاحده لا يكفر» ذكر في حواشي الفصول في هذا المقام مسألتين: الأولى: إنكار المجمع عليه، بأن يجمعوا مثلاً على تحريم الحرير ويقول قائل: هو مباح، فهذا هو محل الخلاف هل يكفر جاحده أو يفسق - لاتباعه غير سبيل المؤمنين - أو لا أيهما. الثانية: مخالفة مقتضى الإجماع، بأن يجمعوا على تحرير الحرير ثم يلبسه واحد مع اعتقاد تحريمه لقيام الإجماع على التحريم، قال: فهو معصية لا يقطع بكبرها إلا لدليل خاص على الكبر؛ لأن الأمة وإن أجمعت على التحريم فلم تجمع على أنه كبيرة، قال في حواشي الفصول: وقد وقع في هذا لبس لنحارير العلماء.
(قوله): «فجاحده لا يكفر» لم يذكر المؤلف # الفسق تبعاً لابن الحاجب، وفي الفصول وشرحه: ومخالفته كفر لرده القطعي، أئمتنا والجمهور: بل هو فسق للوعيد عليه، الآمدي: لا أيهما، بناء على أن أدلة الإجماع ظنية. وقد اعترض الإمام المهدي # القول بالتفسيق بأنه مبني على القطع بالآية الكريمة، أعني: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء: ١١٥]، وفيها من التشكيكات ما يمنع القطع، ومبني على كون الوعيد دليلاً على كبر المعصية، وقد خالف في ذلك كثير من المحققين، وهذا يضعف به القطع بفسق من خالف الإجماع.
(قوله): «إن لم يكن مما علم من الدين ضرورة» فأما ما علم كونه من الدين ضرورة كالعبادات الخمس فإنه يوجب الكفر اتفاقاً، وإنما الخلاف في غيره، هكذا في شرح المختصر. قال الإمام المهدي # في المنهاج: لا وجه لتكفير مخالف الإجماع؛ إذ لا دليل يقتضيه، فأما نحو الصلوات الخمس فكفر منكرها ليس لمخالفة الإجماع، وإنما يكفر لإنكاره ما علم ضرورة من دين النبي ÷، فالمنكر لوجوبها مكذب له ÷، فحكمنا بكفره لذلك.
(١) أقول: إنكار حكم الإجماع الظني ليس بكفر إجماعاً، وأما القطعي ففيه مذاهب: أحدها: كفر، ثانيها: ليس بكفر، ثالثها وهو المختار: أن نحو العبادات الخمس مما علم بالضرورة من الدين يوجب الكفر اتفاقاً، وإنما الخلاف في غيره، والحق أنه لا يكفر، هكذا أفهم هذا الموضع. (عضد). قال في شرح الشرح: إنما قال ذلك لأن ظاهر كلام المتن والشروح وأحكام الآمدي أن في المسألة ثلاثة مذاهب: الأول: التكفير مطلقاً، الثاني: عدم التكفير مطلقاً، الثالث وهو المختار: التفصيل: بأن حكم الإجماع إن كان مما علم كونه من الدين بالضرورة فإنكاره يوجب الكفر، وإلا فلا، ولا خفاء في أنه لا يتصور من المسلم القول بأن إنكار ما علم كونه من الدين بالضرورة لا يوجب الكفر؛ ولذا قال في المنتهى: أما القطعي فكفر به بعض وأنكره بعض، والظاهر أن نحو العبادات الخمس والتوحيد مما لا يختلف فيه، وهو صريح في أن الخلاف إنما هو في غير ما علم بالضرورة كونه من الدين. اهـ قال ميرزاجان هنا بعد كلام ما لفظه: هذا والخلاف في أن منكر الإجماع القطعي هل هو كافر أم لا مبني على الخلاف في أن الدليل الدال على حجيته هل هو قطعي أم لا، كذا قيل، فتأمل، والله أعلم.