هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 234 - الجزء 2

  وإن دخلت على المشهود به وهو: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} وحقها أن تفيد تأكيد ما دخلت عليه فهي تشعر بأن الشهادة عن جد كامل ورغبة وافرة، والواقع بخلاف ذلك.

  (أو) على رجوع التكذيب (إلى الخبر المشهود به)⁣(⁣١) وهو قولهم: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} لا في نفس الأمر، بل (في زعمهم) الفاسد واعتقادهم الكاسد؛ لأنهم يعتقدون أنه غير مطابق للواقع، فكأنه قال تعالى: والله يشهد إن المنافقين يعتقدون أنهم كاذبون في خبرهم الصادق وهو قولهم: إنك لرسول الله.

  (أو) على رجوع التكذيب (إلى حلفهم بإنكار ما قالوا) لما رواه البخاري في صحيحه عن زيد بن أرقم قال: كنت في غزاة فسمعت عبدالله بن أبي بن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله، ولو رجعنا من عنده ليخرجن الأعز منها الأذل، فذكرت ذلك لعمي فذكره للنبي ÷ فدعاني فحدثته، فأرسل رسول الله ÷ إلى عبدالله بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا،


(قوله): «عن جد كامل ... إلخ» هذا هو الخبر الذي تضمنته المؤكدات.

(قوله): «لا في نفس الأمر» لما كان الكذب عبارة عن عدم مطابقة الواقع فإن نسب الكذب إلى الواقع كان هناك عدم مطابقة الواقع، وإن نسب إلى الاعتقاد كان هناك عدم مطابقة الواقع في الاعتقاد، ولما نسب الكذب هنا إلى اعتقادهم الفاسد كان المراد به عدم مطابقة الواقع في اعتقادهم، فالكذب ليس إلا عدم مطابقته الواقع.

(قوله): «في زعمهم» الزعم بالحركات الثلاث في الفاء؛ يجيء بمعنى القول ويستعمل في الحق والباطل، لكن استعماله في الثاني أكثر⁣[⁣١]، كذا في حاشية الشلبى.

(قوله): «أو على رجوع التكذيب إلى حلفهم» حلف بكسر اللام مصدر حلف من باب ضرب.

(قوله): «ابن سلول» سلول أم عبدالله، فيكتب ابن سلول بألف في ابن، وينون أبي، ذكره في شرح البخاري، وابن سلول صفة لعبدالله بعد صفة، نسب إلى أبيه وأمه، وقد ينسب إلى أحدهما فيقال: عبدالله بن أبي.


(١) وهاهنا وجه آخر ذكره الشلبي في حاشيته، وهو أن معنى الآية الكريمة أن المنافقين قوم عادتهم الكذب، فلا تعتمد عليهم بمجرد أن صدر عنهم خبر صادق، وهو شهادتهم برسالتك، فإن الكذوب لا يصدق.


[١] وفي الحديث «زعموا مطية الكذب» رواه أبو داود وغيره (حسن بن يحيى).