هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 235 - الجزء 2

  فكذبني رسول الله وصدقه، فأصابني هم لم يصبني مثله قط، فجلست في البيت، فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذبك رسول الله ومقتك، فأنزل الله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}، فبعث إلي النبي ÷ فقال: «إن الله صدقك يا زيد».

  (و) حجة الجاحظ قوله تعالى: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ}⁣[سبأ: ٨].

  وتقرير استدلاله: أن الكفار حصروا إخبار النبي ÷ بالحشر والنشر كما يدل عليه قوله تعالى: {إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ}⁣[سبأ: ٧]، في الافتراء على الله وكونه خبراً حال الجِنَّة، وأرادوا بكونه خبراً حال الجِنَّة غيرَ الكذب لأنه قسيمه، وقسيم الشيء يجب أن يكون غيره، وغيرَ الصدق؛ لأنهم اعتقدوا عدم صدقه فكيف يريدونه وهم عقلاء من أهل اللسان عارفون باللغة، فيجب أن يكون من الخبر ما ليس بصادق ولا كاذب ليكون هذا منه بزعمهم وإن كان صادقاً في نفس الأمر⁣(⁣١)، فانتفى المذهبان الأولان وثبت الواسطة، وهو المطلوب.

  والجواب: أن (معنى قوله تعالى: أم به جنة، أم لم يفتر؛ لذكره قسيماً للافتراء)


(قوله): «ما أردت إلى أن كذبك» في الأساس: ما أردت إلى ما فعلت أي: ما حملك، فكأن المعنى ما حملك على أن قلت ما كذبك رسول الله ÷ فيه ومقتك لأجله؟ وفي حاشية الشلبي: ما أردت إلى أن كذبك، أي: أي شيء أردت حتى انتهى إلى تكذيب رسول الله إياك. والمقت: البغض.

(قوله): «لأنهم اعتقدوا عدم صدقه» عدل عن قوله في التلخيص: لأنهم لم يعتقدوه لما يرد عليها من أن عدم اعتقادهم صدقة لا ينفى تجويزه المستلزم لجواز إرادته، فلا يتم أن الصدق غير مراد.

(قوله): «ليكون هذا منه بزعمهم» إنما قيد به ليندفع الاعتراض بأنه لا يلزم من عدم اعتقاد الصدق عدم الصدق، ووجه الاندفاع أنه لم يجعل عدم اعتقاد الصدق دليلا على عدم كونه صادقاً، بل على⁣[⁣١] عدم إرادتهم كونه صادقاً، والفرق ظاهر، ذكره في المطول.


(١) فيه دفع لما ذكره بعضهم من أنه يلزم من ثبوت الواسطة في زعمهم ثبوتها في نفس الأمر. (سمرقندي).

(*) لوجود المطابقة فيه فليتأمل. (مطول). إنما أمر بالتأمل لأنه لما كان هذا الخبر غير مطابق للواقع في اعتقادهم وغير مطابق للاعتقاد فربما يشكل جعل كذبه لعدم مطابقته الواقع دون عدم مطابقة الاعتقاد، ولكن يزول هذا الإشكال بتقرير هذا الجواب الثالث على وجه المنع هكذا لا نسلم أن كذب هذا الخبر لعدم مطابقة الاعتقاد كما ذكرتم، لم لا يجوز أن يكون لعدم مطابقة الواقع في اعتقادهم.


[١] في المطبوع: بل عدم. والمثبت من المطول.