(الباب الأول في الأخبار)
  التجريد في باب الإقرار بأن إقرار الهازل لا يوصف بصدق ولا كذب، وفي كلام فيه في الشهادات ما يدل على أن خبر الساهي والناسي يوصف بالكذب إذا خالف الواقع، فخالف كلامه من هذا الوجه(١) هذا القول.
  وللشيخ الحسن الرصاص قول آخر حاصله: أن مطابق الواقع صدق كما قاله الجمهور، ومخالف الواقع كذب في صورتين: إحداهما: أن يخالف الاعتقاد كما قاله الجاحظ، والأخرى: أن يصدر الخبر لا عن أمارة سواء وافق الاعتقاد أو لم يكن ثمة اعتقاد، وأما إن صدر الخبر المخالف للواقع عن أمارة لم يسم خبره كذباً ولا يسمى كاذباً، وهذا كأن يخبرك مخبر بقدوم زيد ثم تخبر أنت بذلك وينكشف عدم قدومه.
  قال: إذ المعلوم لغة وشرعاً أن مثل هذا لا يسمى كذباً ولا المتكلم كاذباً.
  وهذا التفصيل الذي ذكره في مخالف الواقع مخصوص بما إذا لم يكن مكلفاً بالإخبار بخلاف ما أخبر عنه ومأخوذاً باعتقاده.
  وأما إذا كان مكلفاً بذلك فإن فسق بالإخلال بما كلف به وخرج إلى عداوة الله تعالى فهو كاذب والخبر كذب، وهذا كالإخبار بأن الله تعالى جسم، وأن له ثانياً، وسواء أخبر بذلك لشبهة أو جرأة، وإن لم يفسق كالإخبار بالشفاعة للفساق(٢) فهو محتمل للكذب وعدمه. انتهى كلامه.
  وأنت خبير بأن هذه تفصيلات يبعد أن تنتهض على شيء منها دلالة.
  وإذ قد عرفت أن الخبر ينقسم إلى صدق وكذب فمنه معلوم الصدق ومنه معلوم الكذب ومنه ما لا يعلم فيه أيهما(٣)، وقد وضع لكل من الثلاثة الأقسام فصلاً فقال:
(١) له أن يقول: مع الهازل اعتقاد لا الساهي والنائم. اهـ منقولة.
(٢) في المطبوع: للفاسق.
(٣) وهل يجري التقسيم على الأقوال كلها؟ الظاهر ذلك، والله أعلم.