[فصل: في الخبر المعلوم كذبه]
  العالم قديم (وما نقل(١) عنه) # (بعد تدوين(٢) الأخبار) واستقرار السنن (ثم بحث عنه) بحثاً بليغاً (فلم يوجد في بطون الكتب(٣)) المدونة لجمع الأحاديث (ولا) في (صدور(٤) الحفاظ) الذين اشتهروا بالسنة النبوية وأتعبوا نفوسهم في ضبطها وحفظها؛ وذلك لعلمنا أن الأخبار قد دونت وجمعت وحفظت، فإذا لم يوجد علمنا كذبه، كما إذا قال الراوي: هذا الخبر في الكتاب الفلاني فلا نشاهده فيه.
(قوله): «بعد تدوين الأخبار، إلى قوله: ولا صدور الحفاظ» قيل: في القطع بكذب ما هذا حاله نظر؛ إذ غايته الظن، ذكر معناه الزركشي عن ابن دقيق العيد.
(قوله): «كما إذا قال الراوي» الكاف للتشبيه لا للتمثيل، كذا نقل.
(١) في شرح أبي زرعة على الجمع عند الكلام على أنواع الخبر المقطوع بكذبه ما لفظه: الرابع الخبر المنقول عن النبي ÷ بعد استقرار الأخبار إذا فتش عنه فلم يوجد في بطون الكتب ولا صدور الرواة، ذكره الإمام فخر الدين، وسبقه إليه صاحب المعتمد، وكان القرافي يشترط استيعاب الاستقراء بحيث لا يبقى ديوان ولا راو إلا وكشف أمره في جميع الأقطار والأرض، وهو عسر أو متعذر. وقد ذكر أبو حازم في مجلس هارون الرشيد حديثاً وحضره الزهري فقال: لا أعرف هذا الحديث، فقال: أعرفت حديث رسول الله ÷ كله؟ قال: لا، قال: فنصفه، قال: أرجو، قال: اجعل هذا في النصف الذي لم تعرفه. هذا وهو الزهري فما ظنك بغيره؟ نعم، إن فرض دليل عقلي أو شرعي يمنع منه عاد إلى ما سبق. قلت: ليس هذا مما نحن فيه؛ لأن الكلام بعد استقرار الأخبار كهذه الأزمنة وقبلها بمدد لما دونت الأخبار وضبطت، وأما في الأعصار الأولى فقد كانت السنة منتشرة لانتشار أصحاب النبي ÷ في الأمصار، بحيث لا يفتش الآن على الأحاديث من صدور الرواة، وإنما يرجع إلى دواوين الإسلام الحديثية، وهي معروفة محصورة، فما لم يوجد فيها لا يقبل من راويه. ومن العجب قوله في هذه الحكاية: إن الزهري وأبا حازم اجتمعا في مجلس هارون وقد ماتا قبل مجيء الدولة العباسية، وإنما كان اجتماعهما في مجلس سليمان بن عبدالملك.
(٢) قال ابن دقيق العيد: وفيما قالوه نظر عندي؛ لأنهم إن أرادوا جميع الدفاتر وجميع الرواة فالإحاطة بذلك متعذرة مع انتشار أقطار الإسلام، وإن أرادوا الأكثر من الدفاتر والرواة فهذا لا يفيد إلا الظن القوي ولا يفيد القطع. (زركشي).
(٣) قال في الفصول: فلم يوجد عند أهله غير مستندين في فقده ورده إلى أصل مرفوض. اهـ قلت: ومن الأصل المرفوض الذي اعتمدوه أن لا يقبلوا رواية ما روته الشيعة، وهذا القيد لازم.
(٤) هذا قول المحدثين، وجعلوا جهل الحفاظ قادحاً فيه، وقال الفقهاء: يقبل إذا كان راويه عدلاً، وجهل الحفاظ لا يقدح فيه؛ إذ هم بعض الأمة[١]. (حواشي الفصول). قوله: قادحاً فيه قد علم من هذا أنهم لم يقطعوا بكذبه؛ إذ القدح لا يلزمه القطع بالكذب.
[١] واختاره الإمام المهدي # وقد اضطر إلى ذلك الكلام السابق في البحر حتى قال: فانظر واعجب. (حاشية فصول).