هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 307 - الجزء 2

  (على العمل بها) أي: بأخبار الآحاد.

  أما إجماع الصحابة فيدل عليه ما نقل عنهم بالتواتر المعنوي من الاستدلال بخبر الواحد وعملهم به في الوقائع المختلفة التي لا تكاد تحصى، وقد تكرر ذلك منهم مرة بعد أخرى وشاع وذاع بينهم ولم ينكر⁣(⁣١) عليهم أحد وإلا لنقل، وذلك يوجب العلم باتفاقهم كالقول الصريح⁣(⁣٢).

  فمن ذلك عَمْلُ أبي بكر بالخبر الآحادي في ميراث الجدة⁣(⁣٣) وكان يرى حرمانها حتى روى المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي ÷ أعطاها السدس⁣(⁣٤)، وخبر الاثنين لا يوجب العلم، بل حكمه حكم خبر الواحد.

  وعمل عمر بخبر عبدالرحمن بن عوف لما اشتبه عليه حكم المجوس وقال: ما أدري كيف أصنع بهم⁣(⁣٥)، وأنشد الله امرأً سمع من النبي ÷ قولاً أن يذكر


(قوله): «كالقول الصريح» أي: كما أن القول الصريح منهم يوجب العلم باتفاقهم. قال في حواشي شرح المختصر: والحاصل أنه قد تواتر معنى أنهم كانوا يستدلون بأخبار الآحاد وإن كانت تفاصيل ذلك آحاداً، وهذا إجماع منهم على ذلك، وبهذا يندفع ما يقال: إن ما ذكرتم من الأخبار في الاحتجاج بخبر الواحد أخبار آحاد، وذلك يتوقف على حجيته، فيدور⁣[⁣١]، قال: فإن قيل غاية ما ذكرتم جواز الاستدلال والعمل به، وإنما النزاع في الوجوب، قلنا: إيجابهم الأحكام بالأخبار يدل على وجوب العمل بها، على أن القول بالجواز دون الوجوب سمعاً مما لا قائل به، وإنما الخلاف في الوجوب عقلاً كما سبق.


(١) قوله: «ولم ينكر عليهم أحد» لا يخفى ما في العبارة، والأولى: ولم ينكر أحد منهم على الآخر. (من أنظار السيد هاشم بن يحيى). وكأنه إنما عبر بالأولى دون أن يقول: الصواب؛ لإمكان أن تحمل عبارة الكتاب على أن المراد أنهم بين عامل وساكت، والله أعلم. (من خط السيد أحمد بن إسحاق |).

(٢) وهذا استدلال بالإجماع المنقول بتواتر القدر المشترك لا بأخبار الآحاد [حتى يدور]. (فصول بدائع).

(٣) أم الأب مع الجدة أم الأم.

(٤) أخرجه في الموطأ وأبو داود والترمذي من حديث قبيصة بن ذويب. (من خط السيد العلامة عبدالقادر بن أحمد).

(*) الذي في البحر أنه أشركها مع أم الأم في السدس.

(٥) يعني هل يؤخذ منهم الجزية.


[١] بأن يقال: إثبات وجوب العمل بخبر الواحد موقوف على وجوب العمل بخبر الواحد (من شرح التحرير).