(الباب الأول في الأخبار)
  يقول قائلهم(١): والله ما كذبت كذبة مذ عرفت يميني من شمالي. انتهى.
  وقد أسلفنا لك في فصل المحكوم عليه ما يرشدك إلى أن المراهق الكامل التمييز داخل في سلك المكلفين، وقبول الرواية موكول إلى الظن، فإذا كان الصبي المميز متصفاً بهذه الصفات فلا يبعد حصول الظن فيجب العمل.
  واحتج المانعون لقبول روايته(٢) بأنها لو جازت رواية الصبي لجازت شهادته؛ لأن الرواية والشهادة في معنى واحد.
  وأجيب بمنع الملازمة؛ فإن باب الشهادة أضيق، وأمرها بالاحتياط أخلق؛ وذلك لقوة البواعث فيها على الكذب من الطمع والاهتمام بأمر الخصومات وإجابة النفوس لدواعي العصبيات؛ ولذلك ترى من كثرة شهود الزور ما لا تراه من كثرة رواة المفترى.
  على أن علياً # قضى بقبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض(٣) قبل التفرق، وهو قول الهادي إلى الحق #، وبقاه المؤيد بالله # على ظاهره(٤)، وقال به
(قوله): «واحتج المانعون لقبول روايته» أي: المراهق.
(١) هو الإمام الشهيد زيد بن علي #، وفي حاشية هو أحمد بن الحسين، قال في رسالته المسماة بحليفة القرآن التي أرسلها إلى أحمد بن المنصور بالله: فإن أدليت بأن والدك قال: والله ما قارفت ذنباً كبيراً مذ فتحت جفون عيني فأنا أقول: والله ما كذبت ... إلخ. (من خط السيد العلامة عبدالقادر بن أحمد وغيره). وأقول: يجوز أن يكون القائل بذلك الإمام زيد وأحمد بن الحسين، وهو ظاهر.
(٢) وبأن الصبيان ليسوا أهلاً لأن يؤمنوا على شيء من أمور الدين وما ينبني عليه تحليل أو تحريم؛ لما قدمنا من أنه لا صارف لهم عن الكذب من جهة الدين. وأجيب بأنه غير ممتنع أن يتحلى الصبي بمنبت شريف ... إلخ، وبأن الذي دلنا على الأخذ بأخبار الآحاد ما نقل عن الصحابة من الرجوع إليها، ولم ينقل عنهم الرجوع إلى أخبار الصبيان. وأجيب بأن بعض الصحابة قبل خبره وهو على هذه الحالة، ولو سلم عدم صحته فلم يكن منهم له رد فيحتج بذلك. (من شرح الفصول للسيد صلاح |).
(٣) في الدماء. (عضد).
(٤) قبل التفرق وبعده. اهـ أي: تفرق الصبيان إلى منازلهم، وقد تأول على أن المراد في جواز التأديب لا في جواز الضمان كما ذلك مقرر في موضعه.