(الباب الأول في الأخبار)
  مالك وأتباعه، قال ابن الحاجب: وهو إجماع أهل المدينة(١).
  (ومنها) أي: من الصفات المعتبرة في قبول أخبار الآحاد: (العدالة، وهي) في اللغة: عبارة عن التوسط في الأمر من غير إفراط إلى طرفي الزيادة والنقصان.
  وفي الاصطلاح: (ملكة في النفس تمنعها عن اقتراف الكبائر(٢) والرذائل(٣))
(قوله): «عن اقتراف الكبائر» عدل المؤلف # عن حد ابن الحاجب لسلامة ما ذكره عما أورد على قول ابن الحاجب: ليس معها بدعة من أن ملازمة التقوى إن شملت الاعتقادات والعمليات كما اختاره في الجواهر لم يحتج إلى قوله: ليس معها بدعة، وإن اختصت بالعمليات كما ذكره السعد احتيج إليه لإخراج ما يتعلق بالاعتقاديات، وعلى كلا التقديرين يرد عليه ما ذكره السعد من أن في إخلال البدعة بالعدالة نظراً. قلت: ولعل وجهه أن المبتدع لا ترد روايته مطلقا، بل منه ما يقبل، وسيأتي تفصيل الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.
(قوله): «والكلام في الكبائر منتشر» ذكر في الفصول نيفاً وأربعين قولاً، ولا بد من الاستدلال على كل منها فيطول البحث في ذلك، مع أن بعضها لم ينتهض دليله، وقد استوفى ذلك في شرحه.
(١) لا يقال: أجمع[١] أهل المدينة على قبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الدماء قبل التفرق مع أنه احتيط في الشهادة ما لم يحتط في الرواية؛ لأنا نقول: إنه مستثنى لمسيس الحاجة إليه؛ لكثرة الجناية فيما بينهم إذا كانوا منفردين لا يحضرهم عدل، فلو لم تعتبر شهادتهم لضاعت الحقوق التي توجبها تلك الجنايات، والمشروع استثناؤه لا يرد نقضاً كالعرايا وشهادة خزيمة ¥. (عضد).
(٢) لو قال في حد العدالة: «هي الإتيان بالواجبات واجتناب المقبحات وما فيه خسة» لكان أحسن؛ حتى يكون للمعدل طريق إلى حصولها فيخبر بها، وأما الملكة النفسية فما طريقه إلى حصولها حتى يخبر بها؟ والله أعلم. يمكن أن يقال: طريقه إليها حصول لوازمها التي هي الإتيان بالواجبات واجتناب الكبائر والرذائل. (سحولي).
(*) في الكبائر أقوال: الأول: أن كل عمد كبيرة، وهذا للبغدادية وبعض الزيدية. الثاني: ما توعد الله عليه بعينه لا بعموم، وهذا لأكثر أهل البيت والجمهور. الثالث: ما ورد عليه الوعيد مع الحد أو لفظ مفيد الكبر أو العظم ونحوه، وهذا لأكثر المعتزلة وبعض الزيدية. الرابع: ما لا تكفره الصلوات الخمس. وعن علي #: أنه قال: «من كبير أوعد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه»، وهذا يفهم أنها ما ورد وعيد عليه بعينه، وعن ابن مسعود: أربع، وعن ابن عمر: سبع، وعن ابن عباس: هي إلى السبعين أقرب، وقد تتبعها أبو طالب المكي من الأخبار إلى سبع عشرة. وقال جماعة: لا صغيرة، بل كلها كبائر، وروي عن الاسفرايني، ومحل البحث علم الكلام.
(٣) المباحة، أي: الجائزة، كالبول على الطريق الذي هو مكروه، والأكل في السوق لغير سوقي. (من الجمع وشرحه). وعشرة من لا يليق به عشرته، فإنه دال على عدم اكتراثه باستهزاء الناس. (شرح أبي زرعة).
[١] في المطبوع: إجماع. والمثبت من العضد.