(الباب الأول في الأخبار)
  قال أبو طالب #: ويبين صحة هذا(١) أن الوافدين على النبي ÷ لم يعدوا في جملة الصحابة(٢) لما لم يلازموه.
  وقال ابن الصلاح: روينا عن شعبة عن موسى السيلاني قال: أتيت أنس بن مالك فقلت: هل بقي(٣) من أصحاب رسول الله ÷ أحد غيرك؟ قال: بقي ناس من الأعراب قد رأوه، أما من صحبه(٤) فلا.
  (وقيل:) هو من طالت مجالسته له ÷ متبعاً له (معها) أي: مع الرواية(٥) للحديث عنه ÷، وهو قول القاضي عبدالله بن زيد.
  (وقيل:) هو (من أقام) معه ÷ (سنة) أو سنتين (أو غزا) معه ÷ غزوة أو غزوتين؛ لحصول الملازمة والمكث مع ذلك؛ وهذا قول ابن المسيب.
(قوله): «أما من صحبه فلا» ظاهر هذا أن أنس بن مالك آخر الصحابة موتاً، مات في سنة تسع وتسعين، وذكروا أن أبا الطفيل الكناني آخرهم موتاً، مات سنة مائة.
(قوله): «سنة أو سنتين» لأن لصحبة النبي ÷ شرفاً عظيماً، فلا تنال إلا باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص، كالغزو المشتمل على السفر الذي هو قطعة من العذاب، والسنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يختلف فيها المزاج. قلت: وإذا كانت العلة في اشتراط السنة فينظر في وجه زيادة سنة أو سنتين. وعبارة الجمع وشرحه: وقيل: يشترط أحد أمرين: إما الغزو معه أو صحبته سنة.
(١) في المطبوع: صحة هذا القول.
(٢) فلولا أن الصحابي يدل على الملازمة لما صح نفيه عن الوافد على رسول الله ÷ والرائي له؛ إذ الأصل طرد الحقيقة، وصحة النفي علامة المجاز، لكنه يصح أن يقال: لم يكن صحابياً لكن وفد عليه أو رآه ولم يصاحبه. (شرح فصول). قلنا: الصحبة بالنظر إلى العرف اللغوي يطلق على من قلَّت صحبته أو كثرت، ويطلق بالعرف الاستعمالي على المتطاول الصحبة، والنفي إنما هو للمعنى العرفي بحسب الاستعمال لا بحسب اللغة، ولا يلزم من نفي الخاص - وهو الصحبة الدائمة - نفي الصحبة مطلقاً. (غاية الوصول باللفظ).
(٣) في نسخة: بقي بالياء، وفي نسخة أيضاً: بقا بالألف على لغة طيء، وكذا في الآتي.
(٤) وفي الهداية للجزري وشرحها للسخاوي: أن آخرهم موتاً أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي، فإنه على الصحيح مات بمكة سنة مائة، وقيل: سنة اثنتين، وقيل: سنة سبع، وقيل: عشرين، وهو الذي صححه الذهبي، وحينئذ فيكون آخر المائة التي أشار إليها النبي ÷ بقوله: «أريتكم ليلتكم هذه؛ فإنه ليس من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة» وهو حديث صحيح رواه مسلم، ثم ذكر الخلاف في جماعة لم يذكر منهم أنساً.
(٥) ولو حديثاً واحداً؛ لأن الرواية المقصود الأعظم من صحبة النبي ÷ لتبليغ الأحكام، قلنا: لا نسلم، بل المقصود الأعظم اتباع الحق والدخول في سلك المؤمنين. (شرح فصول).