(الباب الأول في الأخبار)
  من الراوي على السهو(١)، والمراد بالضبط قوة الحفظ(٢) بحيث لا يزول ما سمعه عن خاطره بسرعة، وذلك (ليحصل الظن) الذي هو شرط العمل كما عرفت؛ إذ لو كان سهوه أكثر من ضبطه أو مساوياً(٣) له لم يحصل.
  وقال الإمام يحيى # فيمن استوى فيه الضبط والسهو ولم يَرْجَح أحدهما على الآخر: وهذا فيه خلاف، فذهب الشافعي إلى أنه مقبول بكل حال إلا أن يعلم سهوه فيه، واختاره قاضي القضاة.
  ومنهم من رده، وهو رأي الشيخ أبي الحسين.
  ومنهم من قال: إنه في موضع الاجتهاد، وهو رأي بعض أئمة الزيدية، قال: وهو المختار عندنا لأن الاعتبار في ذلك إنما هو بغلبة الظن(٤)، وهو الذي يريده بالاجتهاد.
  وهاهنا صفات اعتبرت في الشهادة على خلاف فيها ولم تعتبر في الرواية مع اعتبار بعضهم لبعضها، وقد بينها بقوله: (ولا يشترط) في الراوي (حرية) اتفاقاً وإن شرطها بعضهم في الشهادة كأبي حنيفة والشافعي ومالك.
  (أو ذكورة) لما اشتهر من إجماع الصحابة على قبول أخبار النساء.
(قوله): «وهذا فيه خلاف ... إلخ» مقول قول الإمام يحيى بن حمزة #.
(قوله): «وهو الذي يريده بالاجتهاد» أي: الظن هو الذي يريده من قال إنه موضع اجتهاد؛ إذ المراد بالاجتهاد طلب الظن الغالب بصدقه.
(١) في كلام الآمدي: رجحان ضبطه على عدم ضبطه، وذكره على سهوه، فلم يجعل الضبط مقابلاً للسهو. (سعد الدين).
(٢) وإن غفل في حال من حالاته فلا ينافي ذلك؛ لأن الإنسان لا يخلو عن شيء من النسيان. (قسطاس).
(٣) واستواء الضبط والسهو بألا يعلم ترجيح، لا بأن يعلم الاستواء؛ فذلك مما لا سبيل إليه إلا بالوحي. (من شرح الفصول).
(٤) وقد يقال: مع المساواة لا يترجح طرف الإصابة فلا يحصل الظن فلا يقبل، واعتماد قرينة الإصابة رجوع إلى غير الخبر، وهو خلاف الفرض؛ لأن الفرض حيث استوى الضبط والغفلة، ولا استواء هنا؛ لرجحان ما عضدته القرينة على الآخر. (قسطاس [والتصحيح منه]).