هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 368 - الجزء 2

  خلاف في أنه محمول على الاجتهاد سواء كان الصحابي من أهل الاجتهاد أم لا، وأنه لا يكون حجة إلا عند من يقول بأن قول الصحابي حجة على غيره كما تقدم.

  (وقد اختلف في ذكر الصحابي حكماً طريق إثباته التوقيف⁣(⁣١)) من الشارع من جهة الكتاب أو السنة (كالمقادير) وذلك نحو أن يقول صحابي: نصاب الخضروات في الزكاة ما قيمته مائتا درهم (ونحوها) كالحدود والأبدال، وذلك نحو أن يقول: يحد اللائط مائة جلدة، ومن لم يجد ماء ولا تراباً فليتيمم بما صعد على الأرض (فقيل:) يجب حمله على أنه (توقيف) من الشارع وليس من الاجتهاد في شيء، فيكون حجة، وهذا رأي بعض أصحاب أبي حنيفة⁣(⁣٢).


(قوله): «وقد اختلف في ذكر الصحابي حكماً ... إلخ» هذا البحث ذكره أصحابنا لبيان مرتبة في رواية الصحابي للحديث غير ما تقدم من المراتب، ولم يذكره ابن الحاجب وغيره.

(قوله): «طريق إثباته التوقيف من الشارع من جهة الكتاب أو السنة» كذا في شرح الجوهرة، وقد جعل المؤلف المقادير ونحوها مما طريقه التوقيف، وفيما يأتي مما للاجتهاد فيه مسرح، وقد صرح بمثله الدواري، فإنه قال: إذا ذكر الصحابي مذهباً لا يعرف إلا بالتوقيف كالمقدرات والحدود والأبدال، ثم قال: والمقدرات والحدود والأبدال مما للاجتهاد فيه مسرح. قلت: وقد يتوهم من ذلك المناقضة، وليس كذلك، فإن التوقيف هاهنا شامل لما للاجتهاد فيه مسرح ولما ليس كذلك؛ إذ المراد بالتوقيف هاهنا استناد الحكم إلى السمع: إما بأن يكون منصوصاً عليه من الكتاب أو السنة فيكون حجة، أو بأن يكون الحكم مأخوذاً باجتهاد الصحابي واستنباطه مما سمعه من الكتاب أو السنة أو مأخوذاً تقليداً من اجتهاد غيره مما سمعه عنهما أيضاً فلا يكون حجة، وقد أشار إلى هذا في القسطاس، والمرادُ بالتوقيف فيما يأتي في قوله: فقيل توقيف وفي قوله: والصحيح إن لم يكن للاجتهاد فيه مسرح فتوقيف - كونُ الحكم منصوصاً عليه من الكتاب أو السنة فيكون حجة؛ لأن التوقيف هاهنا مقابل للاجتهاد؛ ولهذا قال المؤلف #: فقيل توقيف وليس من الاجتهاد في شيء، وقال في قوله: فتوقيف: محمول على نص سمعه.

(قوله): «فقيل توقيف» أي: منصوص عليه، فيكون حجة، قال في المنهاج؛ إذ المعروف من حال الصحابة أنهم إذا أطلقوا حكماً شرعياً وجزموا به فإنهم لا يفعلون ذلك إلا عن توقيف، بخلاف ما إذا كان رأياً لهم فإنهم يضيفونه إلى رأيهم، ويرفعون وهم من يتوهم أنه عن نص. والجواب أنا لا نسلم إجماعهم على ذلك ولا الاستمرار عليه في كل حكم مجتهد فيه، فيكون الظاهر فيمن أطلق الكلام في مسألة أن كلامه صادر عن نظره واجتهاده مهما لم يتعذر الاجتهاد فيه، فإن تعذر بأن لا يكون للاجتهاد فيه مسرح فتوقيف. وقد دفع الإمام المهدي # هذا الجواب، وأيد ما ذكره صاحب هذا القول فخذه من محله.


(١) أي: لا يعلم من جهة العقل. (منهاج للمهدي). وفي حاشية: الأولى أن يقال: طريقة الاجتهاد غير ظاهرة عليه؛ لأن عبارة المتن تفيد القصر فلا يستقيم ما ذكر من الأقوال. اهـ وعبارة تحرير العنسي: مما يجوز كونه توقيفاً.

(*) أي: من جهة الظاهر؛ فلا يرد أنه سيأتي له ما ينافيه في قوله: إن لم يكن للاجتهاد فيه مسرح بوجه فتوقيف.

(٢) ورواه المهدي في معياره، وفي شرحه القسطاس ما لفظه: احتج أبو حنيفة بأن المعلوم من استقراء كتب السير أن الصحابة إذا أطلقوا حكماً شرعياً وجزموا به فإنه يكون عن توقيف، بخلاف ما إذا كان رأياً لهم فإنهم يصرحون به، فيحمل حينئذ على التوقيف، وهذا قوي إن صح ما ادعاه.