[فصل: في شروط العمل بأخبار الآحاد]
  السماع من لفظه(١)، وروي ذلك عن مالك أيضاً.
  وعنه وعن غيره أنهما سواء، وقد قيل: إن التسوية بينهما مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة، ومذهب مالك وأصحابه وأشياخه من علماء المدينة، ومذهب البخاري.
  والوجه في ترجيح السماع أنه كثيراً ما يذهل(٢) الشيخ عما يُعْرَضُ عليه، بخلاف ما يمليه ويحدث به.
  (فيقول) السامع: (حدثني وأخبرني وحدثنا وأخبرنا) وقال لي أو لنا، وذكر لي أو لنا (إن قصده) الشيخ بالحديث، سواء قصده وحده أو مع غيره، إلا أن الأحسن أن يقول إن لم يكن معه غيره(٣): حدثني أو أخبرني، وإن كان معه غيره حدثنا أو أخبرنا (وإلا) يقصده بالحديث (فأخبر) يعبر به (وحدث وسمعته).
  وهذه الألفاظ بعضها أرفع من بعض، ذكر الحافظ أبو بكر الخطيب أن أرفعها: سمعت ثم حدثنا وحدثني ثم أخبرنا؛ لأنه لا يكاد أحد يقول في أحاديث إجازة ولا تدليس: سمعت.
  وكان بعض العلماء يقول فيما أجيز له: حدثنا. وروي عن الحسن أنه كان يقول: حدثنا أبو هريرة، ولم يسمع عنه(٤) شيئاً.
(قوله): «كثيراً ما يذهل الشيخ ... إلخ» في هذا دفع ما يقال: والتلميذ قد يذهل، ووجهه الدفع أن ذهول التلميذ أقل.
(قوله): «أن أرفعها سمعت ... إلخ» فيكون تأخيره للترقي من الأضعف إلى الأقوى.
(قوله): «في أحاديث إجازة» إضافة أحاديث إلى إجازة للملابسة، وتدليس عطف على إجازة.
(قوله): «وكان بعض العلماء» مقابل لقوله: لا يكاد ... إلخ، و (قوله): «وروي عن الحسن» مقابل لقوله: ولا تدليس، يعني أنها قد وجدت الرواية بحدثنا في الإجازة كما في الأول أو التدليس كما في الثاني ولم يقل فيهما: سمعت.
(١) لأن الراوي لاك الحديث بفيه وعضه بنواجذه. (شرح ابن حابس).
(٢) قال صاحب غاية الوصول: لاحتمال الغفلة والسهو، يعني في قراءة التلميذ، وهذا الاحتمال وإن تطرق في قراءة الشيخ إلا أنه أبعد.
(٣) يعني في حال أخذها.
(٤) ويتأول على أنه حدث أهل المدينة وكان الحسن إذ ذاك بها إلا أنه لم يسمع منه شيئاً. قلت: ومنهم من أثبت له سماعاً من أبي هريرة، والله أعلم. (من كتاب ابن الصلاح ¦).