(الباب الأول في الأخبار)
  (فالاجتهاد) يجب الرجوع إليه، فإن قوي عند المجتهد أمارة القياس وكانت تزيد عنده في القوة على عدالة الراوي وضبطه وجب المصير إليه، وإن كان ضبط الراوي وعدالته تزيد عند المجتهد على قوة أمارة القياس وجب المصير إلى الخبر.
  (وإلا) يثبت حكم الأصل بقطعي بل بظني (فالخبر) مقدم على القياس؛ نظراً منه في المنصوصة بظني إلى استواء النصين في الظن، واختصاص خبر الواحد بالدلالة على الحكم بصريحه من غير واسطة، بخلاف النص الدال على العلة فإنه إنما يدل على الحكم بواسطة العلة.
  وأما في المستنبطة فلما يجي من أن احتمال الخطأ في القياس والعلة مستنبطة أكثر منه في خبر الواحد.
  (وقيل(١)) وهو اختيار ابن الحاجب: (إن ثبتت العلة) الجامعة في القياس (لا
(قوله): «إلى استواء النصين» هذا حاصل في الأول[١]، وهو حيث كان الأصل ثابتاً بقطعي.
(١) قال في تحرير ابن الهمام وشرحه ما لفظه: (والمختار) عند الآمدي وابن الحاجب والمصنف: (إن كانت العلة) ثابتة (بنص راجح على الخبر ثبوتاً) إذا استويا في الدلالة (أو دلالة) إذا استويا ثبوتاً (وقطع بها) أي: العلة (في الفرع قدم القياس). قال السبكي: لا يلزم من ثبوت العلية براجح والقطع بوجودها أن يكون ظن الحكم المستفاد منها في الفرع أقوى من الظن المستفاد من الخبر؛ لأن العلة عندكم لا يلزمها الاطراد، فربما يتخلف الحكم عنها لمانع فلم قلتم: إنه لم يتخلف عن الفرع لمانع الخبر؟ خصوصاً إذا كانت العلة تشمل فروعاً كثيرة والخبر يختص بهذا الفرع. قال الشارح: هذا ذهول عن موضع الخلاف، فإنه ما إذا تساويا في العموم والخصوص كما سيصرح به فليتأمل. اهـ وجه التأمل إن اعتبار المساواة فيما سيصرح ليس بين العلة والحكم، بل بين الخبر والقياس، فكان الأولى طي الاعتراض. (وإن ظنت) العلة في الفرع (فالوقف) متعين، يعني إذا لم يكن هناك ما يرجح أحدهما، (وإلا تكن) العلة ثابتة (براجح) بأن تكون مستنبطة أو ثباتة بنص مرجوح عن الخبر أو مساو له (فالخبر) مقدم، ولا بعد في كون هذا التفصيل إظهار مراد لا خلافاً؛ إذ المذكور في هذا المختار لا ينبغي أن يقع فيه اختلاف. وقال فخر الإسلام: إذا كان الراوي من المجتهدين كالخلفاء الراشدين قدم خبره على القياس. وقال ابن أبان: إن كان ضابطاً غير متساهل فيما يرويه قدم خبره، وإلا فهو موضع اجتهاد.
[١] يحقق، فليس هما مستويان في الظن مع ثبوته بقطعي والخبر آحادي ظني، فالمراد هنا بالاستواء حيث كان الحكم والعلة ظنيين؛ إذ لا استواء مع قطعية الحكم. (حسن بن يحيى).