[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  الحاصل من واضع اللغات، فإن من عرف الوضع ميز بين معاني الألفاظ قطعاً.
  إذا عرفت ذلك فقد قال بكل من هذه الاحتمالات قائل، وقد استوفاها المتن(١) بقوله: (قيل بالأول) وهو أنه يتميز عن غيره بإرادة المأمور به، ولا صفة للأمر بكونه أمراً ولا للخبر بكونه خبراً، وكذا سائر أنحاء الكلام، وهذا قول(٢) الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة والإمام يحيى بن حمزة @ وأبي الحسين البصري وابن الملاحمي وغيرهم.
  ووجهه(٣) أن كل ما يرجع إلى الصيغة أو إلى محلها(٤) أو إلى الآمر أو إلى المأمور أو إلى المأمور به ينتقض بالتهديد ما خلا إرادة المأمور به، فأغنت في التمييز، ولا وجه لإثبات حكم لها بكونها أمراً؛ إذ لا طريق إليه.
  والجواب أن هذه الإرادة إما أن تكون قبل أن تتناول المراد صيغة الأمر أو معه أو بعده (و) على كل تقدير (لا اختصاص) لتلك الإرادة(٥) بتلك الصيغة (فلا تمييز).
(قوله): «إلى الصيغة» من كونه خطابا.
(قوله): «أو إلى محلها» ومخارج حروفها من كونه جسماً.
(قوله): «أو إلى الآمر» من كونه مخاطباً بالكسر.
(قوله): «أو إلى المأمور» من كونه مخاطباً بالفتح.
(قوله): «أو إلى المأمور به» من كونه حدثاً وضرباً مثلا.
(قوله): «فلا تمييز» إذ لا بد من اختصاص المميز بالشيء الذي يميزه، وإلا لم يكن بان يميزه أولى من أن يميز غيره. واعلم أن ضمير إياه للمأمور به، وضمير بينهما للإرادة والصيغة، وضمير معه للأمر، وضمير وجودهما للأمر والتهديد، وضمير إن أراده للمأمور به.
(١) في المطبوع: المتن.
(٢) المنصور بالله إنما وافق في الأمر أنه لا صفة له بكونه أمراً، ويوافقهم في الخبر وغيره، وأما الإمام يحيى # ومن بعده فينفون صفات الكلام. (من خط العلامة الجنداري).
(٣) في شرح الفصول: احتج المنصور ومن معه بأن المعقول من كون الأمر أمراً أن الآمر أورد صيغة «افعل» على جهة الاستعلاء وغرضه أن يفعل المقول له الفعل، فلا حكم للأمر بكونه أمراً فيعلل به، والدليل على ذلك أن كل ما يرجع إلى الصيغة من كونها خطاباً أو إلى محلها من كونه جسماً أو إلى الآمر من كونه مخاطباً أو إلى المأمور من كونه مخاطباً ينتقض بالتهديد، ولا يعقل من الأمر إلا ما ذكرنا.
(٤) في حاشية: لعله يريد بالمحل اللسان أو الزمان الذي وردت فيه الصيغة. اهـ وفي حاشية: هو مخارج الحروف.
(٥) أي: إرادة المأمور به، والشيء لا يوجب الشيء حتى يختص به.