هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 453 - الجزء 2

  (و) السادس عشر: (الخبر⁣(⁣١)) نحو قوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا}⁣[التوبة: ٨٢]، وقوله ÷: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوءة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت⁣(⁣٢)» رواه البخاري عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري ¥.

  وفي رواية الطبراني في أكبر معاجمه: «آخر ما كان من كلام النبوءة: إذا لم تستح فافعل ما شئت» أي: من لا يستحي فهو يصنع ما يشاء، وهذا هو الأظهر، وقيل: معناه إذا لم تستح من شيء لكونه جائزاً فاصنعه؛ إذ الحرام يستحيى منه، بخلاف الجائز، وقيل: معناه إذا أردت فعل شيء فاعرضه على نفسك، فإن استحييت⁣(⁣٣) منه لو اطلع عليه فلا تفعله، وإن لم تستح منه صنعته، وقيل: إنه على طريق المبالغة في الذم، أي: إذا لم تستح فاصنع ما شئت فتركك الحياء أعظم مما تفعله؛ لأن السياق في مدح الحياء.

  فهذه ستة عشر معنى تطلق صيغة الأمر عليها، وقد عد بعضهم زيادة عليها كالتفويض في قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ}⁣(⁣٤) [طه: ٧٢]، ذكره الجويني في


(قوله): «الخبر نحو فليضحكوا قليلا» أي: هم يضحكون في الدنيا قليلا ويبكون في الآخرة كثيراً.


(١) قال البيضاوي في المنهاج: وقد يرد عكسه، قال الأسنوي في شرحه: أي أن الخبر قد يستعمل لإرادة الأمر، كقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ}⁣[البقرة: ٢٣٣]، أي: ليرضعن⁣[⁣١]، قال في المحصول: والسبب في جواز هذا المجاز أن الأمر والخبر يدلان على وجود الفعل، وأراد أن بين الخبر والأمر مشابهة في المعنى، وهي المدلولية؛ ولهذا يجوز إطلاق اسم أحدهما على الآخر.

(٢) أي: صنعت ما شئت. (أسنوي).

(٣) وفي نسخة: استحيت.

(٤) لا يخفى⁣[⁣٢] ما في مورد الحمل على التفويض من الكدر فليتأمل؛ إذ هم بمعزل عن تفويض الأمر إلى فرعون، إلا أن يراد بالتفويض عدم المبالاة كما يشعر بذلك تسمية بعضهم له بالاستبسال. (من أنظار السيد هاشم |).


[١] والعلاقة في هذا المجاز مشابهة أحدهما للآخر في الدلالة على وجود الفعل. وقد يرد بمعنى النهي، نحو قوله ÷: «لا تنكح المرأة المرأة» أي: نكاح المرأة منهي، والعلاقة فيهما أيضاً المشابهة، وهي دلالة كل واحد منهما على عدم الفعل. (شرح منهاج).

[٢] وفي حاشية لا يخفى على المتأمل ما في حمل الآية على التفويض من البعد؛ لظهور أن المقصود إنما هو عدم مبالاة السحرة بعد إيمانهم بوعيد فرعون لا تفويضهم له، نعم يظهر التفويض في قول الحريري: فاقض ما أنت قاض فما تجد فينا غير راض. (من خط السيد صلاح الأخفش |).