هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 477 - الجزء 2

  حين نزل على رسول الله ÷ وجوب الحج⁣(⁣١) (فقال: ألعامنا أم للأبد⁣(⁣٢)؟) ولو لم يكن موضوعاً للتكرار لم يفهمه فلم يسأل، والتخيير في قوله: «الأقرع أو سراقة» لاختلاف الروايات في كتب الأصول وغيرها، فرواه أبو طالب في المجزي عن الأقرع، ومثله في المستصفى للغزالي والمحصول للرازي، ورواه أبو الحسين في المعتمد عن سراقة.

  وفي صفة حج النبي ÷ المروي عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله ÷: «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة» فقام سراقة بن جعشم فقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك رسول الله ÷ أصابعه واحدة في الأخرى وقال: «دخلت العمرة في الحج⁣(⁣٣) - هكذا مرتين - لا بل للأبد، بل للأبد أبداً» رواه مسلم وأبو داود.

  وروى أبو داود عن ابن عباس أن الأقرع بن حابس سأل النبي ÷ فقال: يا


(قوله): «وفي صفة حج النبي ÷» هذا بيان لما روي في غير كتب الأصول، فهو معطوف على قوله: فرواه أبو طالب، أي: لاختلاف الروايات في غيرها في صفة حج النبي ÷، يعني في حجة الوداع، وحاصل ذلك على ما في تلخيص ابن حجر أن النبي ÷ قد كان أحرم إحراماً مبهماً، وكان ينتظر الوحي في اختيار الوجوه الثلاثة، فنزل الوحي بأن من ساق الهدي فليجعله حجاً، ومن لم يسق فليجعله عمرة، وقد كان ساق الهدي دون غيره، فأمرهم أن يجعلوا إحرامهم عمرة ويتمتعوا، وجعل إحرامه حجاً، فشق ذلك عليهم، قال في التخريج: عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله ÷ وهو غضبان، فقلت: من أغضبك أدخله الله النار؟ قال: «أوما شعرت أني أمرت الناس فإذا هم يترددون، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى أسير به ثم أحل كما حلوا».

(قوله): «دخلت العمرة في الحج» أي: سقط فرضها بوجوب الحج، وهذا تأويل من لم يرها واجبة، ومن أوجبها قال: معناه أن عمل العمرة قد دخل في عمل الحج؛ فلا يرى على القارن أكثر من إحرام [واحد] وطواف [وسعي]. وقيل: معناه أنها قد دخلت في وقت الحج وشهوره؛ لأنهم كانوا لا يعتمرون في أشهر الحج، فأبطل الإسلام ذلك، ذكره في النهاية.


(١) في نسخة: آية الحج. وفي المطبوع: آية وجوب الحج.

(٢) والأمر غير مصرح به. (فصول).

(٣) قال ابن القيم: أراد فسخ الحج إلى العمرة.